للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكرسي ثم الذي في مسلم أنه قال: أولاً قلت الله ورسوله أعلم، قال: يا أبا المنذر أتدري أيّ أية في كتاب الله معك أعظم قلت: {الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم} فوّض أولاً العلم إلى الله ورسوله لأنه جوّز فضيلة شيء من الآيات غيرها عليها، فلما كرر عليه السؤال علم أن المراد سؤاله عما عنده فأجاب بذلك، أو يقال إنه لم يكن عنده أولاً علم ذلك ففوض، فلما رأى حسن تفويضه ألقى الله عليه من أنوار علومه ومنحه عن مكنون معارفه ما علم به الجواب فسأله ثانياً ليظهر عليه شيء من ذلك الإمناح، فأجابه فزاده تثبيتاً وإمداداً بضربه في صدره وهنأه بما منحه كم قال (فضرب في صدري) عداه بفي مع أنه متعد بنفسه على حد قوله تعالى: {وأصلح لي في ذريتي} (الأحقاف: ١٥) أي أوقع الصلاح الكامل فيهم حتى يكونوا محلاً له فكذا هنا (وقال: ليهنك العلم أبا المنذر) من هناني الطعام يهنيني ويهناني، وهنأت به: أي تهنأت به: أي جاءني من غير مشقة ولا تعب، والقصد الدعاء له بتيسير العلم ورسوخه فيه، وحقيقته الإخبار على طريق الكناية بأنه راسخ في العلم لإجابته بما هو الحق عند الله تعالى، وأبرز ذلك في صورة أمر العلم بأن يكون هو هناء له مبالغة في البشارة والمنة وإعلاماً بما

قدمته من أن النبي أمده من علومه الإلهية بما هنأه به وأزال عنه مشقة التعلم، فأجاب فوراً بالحق، وفي هذا منقبة جليلة لأبيّ، ودليل ظاهر على كثرة علومه وسابغ منته، وأنه خصه من إمداداته الإلهية بما لم يخص به نظراءه وتكريمه بالكنية، وجواز بل ندب مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب لرسوخه في التقوى وعدم نظره إلى شيء من حظوظ نفسه وكان فيه مصلحة كإظهار علمه للآخذين منه والمنتفعين به. وفيه دليل على تفضيل بعض القرآن على بعض وهو الذي عليه الجمهور، وهو الحق الذي لا مرية فيه. ومن أول أعظم بمعنى عظيم فقد أبعد لأن العقل لا يوجب تأويله، بخلاف قوله «وهو أهون عليه» فإنه يوجب تأويله بهين لتساوي جميع المكوّنات بالنسبة للقدرة الإلهية ويخلاف قوله تعالى:

{هو أعلم بكم} (النجم: ٣٢) الآية، فإن العقل أيضاً يوجب تأويله بعالم لتساوي المعلومات بالنسبة للعلم الإلهي، وأما في حديث الباب فالعقل لا يمنع من بقائه على ظاهره، إنما كانت الآية المذكورة أعظم الآيات وسيدتها لما تضمنته من عظم مقتضاها، إذ الشيء إنما يشرف بشرف ذاته ومقتضاه ومتعلقاته، وهي اشتملت على إثبات الذات والصفات والأفعال، ومعرفة هذه الثلاثة هي المقصد الأقصى في العلوم معنى القيوم الذي يقوم

<<  <  ج: ص:  >  >>