السموات ومن في الأرض حتى الحيتان) بالرفع والجر نظير ما مر. ويؤيد الأول أن في رواية: والحيتان بالواو العاطفة بدلها (في) جوف (الماء) وأتى بذلك؛ مبالغة في التعميم خصوصاً إن أريد بالحيتان الحيوان البحري فهو أكثر من البري، لما جاء أن عوالم البر أربعمائة عالم وعوالم البحر ستمائة عالم، وسبب عموم استغفار هذه الموجودات للعلماء؛ طالبين تخليهم عما لا يليق بمقامهم من الأدناس شمول بركة علمهم وعملهم لجميع أولئك.
إذ لا إله يقوم نظام العالم إلا بالعلم. ولا مانع من جعل الاستغفار من غير العقلاء من نحو الجماد على حقيقته؛ لأنه ممكن فهو من قبيل قوله تعالى:(وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)(١)(وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) هو بالنصب عطف على اسم أن السابق، ويؤيده أن في رواية المشكاة: وإن فضل الخ، وزاد في هذه الرواية بعد قوله "كفضل القمر" قوله "ليلة البدر" ووجه ذلك أن نور العبادة وكمالها ملازم لذات العابد لا يتخطاه، فهو كنور الكواكب ونور العلم وكماله، يتعدى إلى الغير فيستضيء به العالم، لكنه ليس من ذاته، وإنما استفاده من شمس الوجود الذي لا أكمل منه محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهو كنور القمر المكتسب من نور الشمس التي لا أضوء منها، وبما ذكر علم أن الكلام في عالم غير مخل بشيء من الواجبات وإلا كان إثماً مذموماً (وأن العلماء ورثة الأنبياء) علماً وعملاً وكمالاً وتكميلاً، ولا يتم ذلك إلا لمن صفت مصادر علمه وعمله ومواردهما عن الهوى والحظوظ، حتى أمدته كلمات الله التي لا تفنى إلى أن صار من الراسخين في العلم، القائمين بصور الأعمال على ما ينبغي، فسلم من الإخلاد إلى أرض الشهوات الخافضة إلى أرذل الدركات (إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً) أي: مالاً وخصا بالذكر؛ لأنهما أغلب أنواعه، وفي نفيهما عنهم إيماء إلى رذالة الدنيا فأعرضوا عنها ولم يأخذوا منها إلا قدر الضرورة، فلم يورثوا شيئاً منها، لئلا يتوهم أنهم كانوا يطلبون شيئاً منها يورث عنهم (إنما ورثوا العلم) بأحوال الظاهر والباطن، على تباين أجناسه واختلاف أنواعه بتعليمهم لأممهم (فمن أخذه) أي: فبسبب ما ذكر من تلك الفضائل العلية من ورث العلم (أخذ بحظ) أي: نصيب من الكمال (وافر) لا نهاية له، ومن ثم قال الثوري: لا أعلم