للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكَرْبِ: "لا إلهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَليمُ، لا إلهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظيمِ، لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَاواتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ" متفق عَلَيْهِ (١) .

ــ

فسكون وهو الأمر الذي يشق على الإِنسان ويملأ صدره غيظاً (لا إله إلا الله العظيم) قدراً (الحليم) فلا يعاجل بالعقوبة (لا إله إلا الله رب العرش العظيم) بالجر عند الجمهور وصف به العرش بعد أن وصف به الذات ليكون من باب الترقي، لأنه إذا اتصف بها بعض مكوناته فلأن يتصف بها هو بالأولى، وقال ابن التين عن الداودي: هو بالرفع صفة رب (لا إله إلا الله رب السموات) زاد في رواية السبع (ورب الأرض رب العرش) أي: مالك كل شيء وخالقه ومصلحه، وأعاد لفظ الرب مع كل القرائن إيماء إلى أن لكل بالاستقلال من غير نظر لتبعيته لغيره المتوهمة لولا ذلك، وروي ورب العرش بإثبات واو (الكريم) بالجر صفة العرش ووصف به لأن الرحمة تنزل منه أو لأنه منسوب إلى أكرم الأكرمين لا إله إلا هو. وفي الإتيان بهذه إيماء إلى أن الدواء من الكرب توحيد الله عز وجل، وعدم النظر إلى سواه أصلاً فمن صفا له هذا المشرب فرج عنه الكرب، ونال من الفضل الأسنى ما أحب، وفي شرح البخاري للعيني، قال ابن بطال: حدث أبو بكر الرازي قال: كنت بأصبهان عند أبي نعيم أكتب الحديث عنه، وهناك شيخ يقال له أبو بكر بن علي عليه مدار الفتيا، فسعى به عند السلطان فحبسه فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام وجبريل عليه السلام عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - قل: لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه. قال: فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكرر إلا قليلاً حتى أخرج من السجن، وقال الحسن البصري: أرسل إلي الحجاج فقلتهن فقال: والله ما أرسلت إليك إلا وأنا أريد قتلك، فلأنت اليوم أحب إليّ من كذا وكذا. وزاد في لفظ: فسل حاجتك اهـ (متفق عليه) ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه والطبراني في الكبير، وزاد: اصرف عني شر فلان، كما في الجامع الصغير. قال العيني: اشتملت الجملة الأولى: على التوحيد الذي هو أصل التنزيهات المسماة بالأوصاف الجلالية، وعلى العظمة التي تدل على القدرة العظيمة، إذ العاجز لا يكون عظيماً، وعلى الحلم الذي لا يتصور من الجاهل بالشيء إذ الجاهل بالشيء لا يتصور منه الحلم، وهما أصل الصفات الوجودية الحقيقة المسماة بالأوصاف الإِكرامية. وحكمة تخصيص الحليم بالذكر أن كرب المؤمن غالباً إنما هو من نوع


(١) أخرجه البخاري في كتاب: الدعوات، باب: الدعاء عند الكرب، (١١/١٢٣) .
وأخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء ... ، باب: دعاء الكرب، (الحديث: ٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>