للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحَرَامٍ وَلاَ مَكْرُوهٍ، وإنْ خِيفَ عَلَيْهِ شَيءٌ مِنْ هذِهِ الأمورِ، كُرِهَ مَدْحُهُ في وَجْهِهِ كَرَاهَةً شَديدَةً، وَعَلَى هَذا التَفصِيلِ تُنَزَّلُ الأحاديثُ المُخْتَلِفَةُ فِي ذَلكَ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي الإبَاحَةِ قَولُهُ - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكْرٍ - رضي الله عنه -: "أرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ" (١) : أيْ مِنَ الَّذِينَ يُدْعَونَ مِنْ جَمِيعِ أبْوابِ الجَنَّةِ لِدُخُولِهَا.

وَفِي الحَدِيثِ الآخر: "لَسْتَ مِنْهُمْ" (٢) : أيْ لَسْتَ مِنَ الَّذِينَ يُسْبِلُونَ أُزُرَهُمْ خُيَلاَءَ.

وَقالَ - صلى الله عليه وسلم - لعُمَرَ - رضي الله عنه -: "مَا رَآكَ

ــ

تارة، مباح أخرى على ما تقدم (وإن خيف عليه) أي: الممدوح (شيء من هذه الأمور) الفتنة والاغترار وتلعب النفس به وتحديثها له، أنه من الكمل المثنى عليهم، فيحمله على البطالات، وترك معالي الأعمال الصالحات (كره مدحه في وجهه) وكذا في غيبته إن علم وصول ذلك له، بأن كان ثمة من يبلغه (كراهة شديدة) وقد يحرم أن تحقق ذلك فيه، بأن علم من عادته وتحقق حصول ذلك له عند الممدوح (وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث) بصيغة المجهول وبالبناء للفاعل بحذف إحدى التاءين تخفيفاً، أو أنه ماض وحذفت تاء التأنيث من آخره، لأن تأنيث الجمع مجازي باعتبار معنى الجماعة، فجاز تذكيره وتأنيثه، وإن كان الثاني أرجح (المختلفة في ذلك) فيكون من باب المختلف ظاهراً المؤتلف معنى (ومما جاء في الإِباحة قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرجو أن تكون منهم) قال العلماء: كل ما ورد في الكتاب والسنة من ألفاظ الرجاء فهو مقطوع بحصوله. وبيّن المصنف مرجع الضمير بقوله: (أي: من الذين يدعون من جميع أبواب الجنة) الثمانية بأن كان عاملاً بعمل أهل كل باب منها (لدخولها) متعلق بيدعون (وفي الحديث الآخر) قوله للصديق أيضاً وكان على المصنف أن يقول له وإن كان أسعد بانسجام ما قبله عليه الظاهر في الظاهر من ذلك (لست منهم أي: من الذين يسبلون إزارهم خيلاء) أي: فالوعيد الوارد في مسبل الإِزار لا يتناولك، وإن كنت تسبله لأنه خاص بمن يسبله خيلاء، وأنت لست كذلك وقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر رضي الله عنه "ما رآك الشيطان سالكاً فجا") أي: طريقاً واسعاً واضحاً، هذا معنى الفج لغة، والظاهر أن المراد هنا ما يعم الواسع الواضح وغيره (إلا سلك فجاً، غير فجك) فيه الثناء عليه بالحفظ من وسوسة الشيطان، لأنه إذا باعد فجه فبالأولى أن يبعد منه


(١) أخرجه البخاري في كتاب: فضائل الصحابة في أبواب فضائل أبي بكر، (٧/٢١، ٢٢) .
وأخرجه مسلم في كتاب: الزكاة، باب: من جمع الصدقة وأعمال البر، (الحديث: ٨٦) .
(٢) أخرجه البخاري في كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب أبي بكر، (٧/٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>