للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا إلَى قِتَالِهِمْ، فَقَالَ: " هَذَا حِينَ حَمِيَ الوَطِيسُ "، ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الكُفَّارِ، ثُمَّ قَالَ: " انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ "، فَذَهَبْتُ أنْظُرُ فَإذَا القِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيما أرَى، فَواللهِ مَا هُوَ إلاَّ أنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ، فَمَا زِلْتُ أرَى حَدَّهُمْ كَلِيلاً وَأَمْرَهُمْ مُدْبِراً. رواه مسلم.

" الوَطِيسُ " التَّنُّورُ، ومعناهُ: اشْتَدَّتِ الحَرْبُ

ــ

عليها إلى قتالهم) متعلق بنظر (فقال هذا حين حمى الوطيس) حين خبر المبتدأ وبنى لإِضافته للجملة التي صدرها مبني والبناء فيه هو الراجح ويجوز إعرابه فيكون مرفوعاً وقد روي بالإِعراب. والبناء قول الشاعر. على حين عاتبت المشيب على الصبا. (ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات) أي: صغاراً وهي التي يقال لها الحصباء (فرمى بهن) ويحتمل أن يكون أخذ قبضة من تراب أيضاً فرمى بها لما جاء من قوله "فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينه تراباً من تلك القبضة". ويحتمل أن يكون اشتملت القبضة على الحصى والتراب فرمى بهن (وجوه الكفار) فوصل التراب كل كافر وفي ذلك معجزة له إذ ليس في القوة البشرية إيصال ذلك إلى أعينهم، ولا يسع كفه ما يعمهم وإنما كان من صنع الله تعالى لنبيه ولذا قال (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (١) وكذا قوله (ثم قال) أي: وقت التهاب الحرب وشدته (انهزموا ورب الكعبة) فهذه معجزة فعلية (فذهبت أنظر) أي: قبل الرمي والقول المذكور، والفاء للترتيب الذكرى (فإذا القتال على هيئته) أي: في الالتهاب والتكافؤ من الجانبين (فيما أرى فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته) أي: وأخبرهم بانهزامهم (فما زلت أرى حدهم) قوتهم (كليلاً) أي: ضعيفة (وأمرهم مدبراً) فغلبوا وانقلبوا صاغرين (رواه مسلم) في المغازي من صحيحه (الوطيس) بفتح الواو وكسر الطاء وبالسين المهملتين هو (التنور) تقدم أنه بالفوقية المفتوحة وتشديد النون وبالراء، وهذا قول مقابل قول الجمهور ونقله القرطبي عن المطرز. وفال المنصف في شرح مسلم قال الأكثر هو شبه التنور يخبز فيه ويضرب مثلاً لشدة الحر التي يشبه حرها حره. وقال الأصمعي: هو حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها، فيقال: الآن حمي الوطيس. وقيل بل هو الضراب في الحرب.

وقيل الوطيس الذي يطيس الناس أي: يدفعهم قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه، الذي لم يسمح من واحد قبله - صلى الله عليه وسلم - (ومعناه اشتدت الحرب) هو على الأقوال الأربعة


(١) سورة الأنفال، الآية: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>