للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى مَا بَلَغَكُمْ، ألاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أبُوكُمْ آدَمُ، فَيَأتُونَهُ فَيقُولُونَ: يَا آدَمُ أنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وأمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وأسْكَنَكَ الجَنَّةَ، ألاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغْنَا؟ فَقَالَ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ،

ــ

نحو قوله تعالى: (فغشيهم من اليم ما غشيهم) (١) . وأبدل منه بإعادة الجار (إلى ما بلغكم) وعطف على ترون قوله (وتنظرون) وفي نسخة ألا تنظرون من نظر الأمر تفكر فيه أي: تفكرون (من يشفع لكم إلى ربكم) أي: في الخلاص مما أنتم فيه (فيقول بعض الناس) أتى ببعض هنا وحذفه فيما قبل تفنناً في التعبير (لبعض) اللام للتبليغ (أبوكم آدم) أي: سلوه ذلك أو المنظور إليه لذلك أبوكم تعبيرهم بدعاء كل رسول باسمه حتى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لأن حرمة ندائه - صلى الله عليه وسلم - باسمه مقيدة بهذه الدار، ومثله كل نبي (فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر) أتوا بذلك تهييجاً له على المطلوب منه لأن الطبع يدعو الأصل لفعل ما ينفع الفرع. والبشر بفتحتين الإِنسان يطلق على المفرد الجمع قال في المصباح: العرب ثنوه ولم يجمعوه. قال البيضاوي في قوله تعالى عن قوم فرعون: (أنؤمن لبشرين مثلنا) (٢) ثنى البشر لأنه يطلق للواحد كقوله تعالى: (بشراً سوياً) (٣) وللجمع كقوله (فأما ترين من البشر أحداً) (٤) أي: وليس المراد أحدهما فلو لم يثن لربما توهم إرادة غير المراد (خلقك الله بيده) أي: بقدرته (ونفخ فيك من روحه) أي: من روح مشرف بإضافته إليه تعالى (وأمر الملائكة) أي: أن يسجدوا حذف اكتفاء بدلالة (فسجدوا لك) أي: إليك وإلا فالسجود لله تعالى، وهو لهم حينئذ قبلة بمنزلة الكعبة لنا (وأسكنك الجنة) أي: التي يدخلها المؤمنون في الدار الآخرة على الصحيح. وفيه دليل أهل الحق على وجودها الآن (ألا تشفع لنا إلى ربك) عرض وطلب برفق وذكروا ما يهيجه عليه بقولهم (ألا ترى ما نجن فيه وما بلغنا) بفتح المعجمة على أن الفاعل مضمر يعود لما دل عليه ما نحن فيه، أو بالسكون على أن الضمير فاعل، وحذف ما بلغوه من الأتعاب، إيماء إلى شدته وأنه تقصر العبارة عن بيانه (فقال: إن ربي غضب اليوم غضباً) المراد به لاستحالة قيام حقيقته بالله سبحانه وتعالى، غايته مجازاً مرسلاً: إما إرادة الانتقام أو نفسه (لم) وفي نسخة لن (يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإنه)


(١) سورة طه، الآية: ٧٨.
(٢) سورة المؤمنون، الآية: ٤٧.
(٣) سورة مريم، الآية: ١٧.
(٤) سورة مريم، الآية: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>