للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زبدا. وحسن الإسلام عبارة عن كماله، وهو أن تستقيم نفسه في الإذعان لأمر الله تعالى والاستسلام لأحكامه، وهو علامة شرح الصدر بنور الرّب (تركه ما لا يعنيه) أي: ما لا يريده ولا يحتاج إليه ولا ضرورة إليه فيه ولا ينفعه بكون عيشه بدونه ممكناً، وذلك يشمل الأفعال الزائدة والأقوال الفاضلة، فينبغي ألا يشتغل إلا بما فيه صلاحه معاشاً ومعاداً بتحصيل ما لا بد منه في قوام البدن وبقاء النوع الإنساني، ثم بالسعي في الكمالات العلمية والفضائل العلية، التي هي وسيلة لنيل السعادة الأبدية، والفوز بالنعم السرمدية، وأن يعرض عما عدا ذلك: وذلك إنما يكون بالمراقبة ومعرفة أنه فيما يأتيه بمرأى ومسمع من الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يخفى عليه شيء من شأنه. قال معروف: علامة مقت الله للعبد أن تراه مشتغلاً بما لا يعنيه، فإنّ من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه. وقال الغزالي: حدّ ما لا يعنيك في الكلام أن تتكلم بما لو سكت عنه لم تأثم ولا تتضرّر حالاً ولا مآلاً، قال: فإن شغلت بما لا يعنيك فإنك مضيع زمانك ومحاسب على عمل لسانك، إذ تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولو صرفته في الذكر والدعاء ربما انفتح لك من نفحات الله ما يعظم جدواه، ومن قدر على أن يأخذ كنزاً من كنوز الجنة وأخذ بدله بدرة كان خاسراً، وما أحسن ما قيل:

اغتنم ركعتين في ظلمة الليـ

ـل إذا كنت فارغاً مستريحاً

وإذا ما هممت بالحوض في البا

طل فاجعل مكانه تسبيحاً

وقول الحافظ أبي إسماعيل البخاري كما عزاه إليه الحاكم في تاريخه.

اغتنم في الفراع فضل ركوع

فعسى أن يكون موتك بغته

كم صحيح تراه من غير سقم

ذهبت نفسه الصحيحة فلته

وقلت في المعنى:

واغتنم في الحياة حسب اقتدار

طاعة الله كي تفوز بقربه

لا تسوّف إلى غد كم صحيح

مات في الحال من تقلب قلبه

(حديث حسن رواه الترمذي وغيره) فرواه ابن ماجه وابن حبان في «صحيحه»

<<  <  ج: ص:  >  >>