القيامة} (آل عمران: ١٨٥) فلما حذف المضاف انقلب المجرور منفصلاً منصوباً، أو في الدنيا أيضاً لما روي أن النبيّ فسر ذلك بأن المؤمنين يجازون بسيئاتهم في الدنيا ويدخلون الجنة بحسناتهم (فمن وجد خيراً) أي: ثواباً ونعيماً بأن وفق لأسبابهما أو حياة طيبة هنيئة مريئة (فليحمد ا) على توفيقه للطاعات التي ترتب عليها ذلك الخير والثواب فضلاً منه ورحمة، وعلى إسدائه ما وصل إليه من عظيم المبرّات، فإن أريد بذلك الآخرة فقط كان الأمر والنهي في ذلك بمعنى الإخبار: أي: من وجد خيراً حمد الله عليه، ومن وجد غيره لام نفسه حيث لا ينفع الملام. وجاء في آيات الإخبار عن أهل الجنة بأنهم يحمدون الله وعن أهل النار بأنهم يلومون أنفسهم (ومن وجد غير ذلك) أي: شراً ولم يذكره بلفظه تعليماً لنا كيفية الأدب في النطق بالكتابة عما يؤذي، ومثله ما يستقبح ويستحي من ذكره، وإشارة إلى أنه إذا اجتنب لفظه فكيف الوقوع فيه، وإلى أنه تعالى حيّ كريم يحبّ الستر ويغفر الذنب فلا يعاجل بالعقوبة ولا يهتك الستر (فلا يلومن إلا نفسه) فإنها آثرت
شهواتها ومستلذاتها على رضا مولاها: فاستحقت أن يعاملها بمظهر عدله، وأن يحرمها مزايا جوده وفضله، نسأل الله العافية من ذلك، وأن يمن علينا بالسلامة من خوض غمرة هذه المهالك، إلى أن نلقاه آمنين، مبشرين بقربه ورضاه آمين. ووجه ختم الحديث بهذه الجملة التنبيه على أن عدم الاستقلال بالإطعام والستر لا يناقض التكليف بالفعل تارة وبالترك أخرى، لأنا وإن علمنا أن لا نستقل لكننا نحس بالوجدان للفرق بين الحركة الاضطرارية كحركة المرتعش والاختيارية كحركة التسليم، فهذه التفرقة راجعة إلى ممكن محسوس مشاهد وأمر معتاد يوجد مع الاختيار دون الاضطرار، وهذا هو مورد التكليف المعبر عنه بالكسب فلا تناقض ولا تعسف.
والحاصل أن المعاصي التي ترتب عليها العقاب وإن كانت بقدر الله وخذلانه فهي بكسب العبد فليلم نفسه لتفريطه بالكسب القبيح (قال سعيد) بن عبد العزيز (كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا) بالمثلثة بعد الجيم، أي: جلس (على ركبتيه) تعظيماً له وإجلالاً (رواه مسلم) وهو حديث عظيم رباني مشتمل على قواعد عظيمة في أصول الدين وفروعه وآدابه ولطيف الغيوب وغيرها، وقد ختم به المصنف أذكاره وبينت في «شرحه» حكمة ذلك، وقد أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي، وقد بسطت الكلام ثمة على بيان