للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يضركم تقصير غيركم، ومما كلفنا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يمتثلهما المخالف فلا عتب حينئذٍ لأن الواجب الأمر والنهي لا القبول (فإن لم يستطع) ذلك بلسانه (فبقلبه) ينكره بأن يكره ذلك ويعزم أن لو قدر عليه بقول أو فعل أزاله لأنه يجب كراهة المعصية فالراضي بها شريك لفاعلها وهذا واجب على كل أحد بخلاف اللذين قبله، فعلم من الحديث وما تقرر فيه وجوب تغيير المنكر بأيّ طريق أمكن، وفي أواخر الباب الأوّل من كتاب «الأنوار القدسية في قواعد الصوفية» للشعراني كان يقال: إن كان ولا بد للمريد من إزالة المنكر فليتوجه إلى الله تعالى بقلبه ويزيل ذلك المنكر الذي رآه، إما يمنع الزاني من الزنى أو الشارب من الخمر ونحو ذلك، ولا ينسب إلى ساكت قول، هكذا كان سورة تغيير المرسلين الصادقين المنكر في قديم الزمان، وقد خالف قوم فغيروا بيدهم أو لسانهم فسحبوا لبيت الوالي وضربوا وحبسوا وازدادوا للمنكر منكراً. وقد كان سيدي إبراهيم المتبولي يقول: تغيير المنكر باليد للولاة ومن قاربهم، وبالقول للعلماء العاملين، وتغييره بالقلب لأرباب القلوب (وذلك) أي: الإنكار بالقلب للعجز عنه بغيره (أضعف الإيمان) أي: أقله ثمرة. وفي رواية «وهو أضعف الإيمان» وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، ومنه يستفاد أن عدم إنكار القلب للمنكر دليل على ذهاب الإيمان منه، ومن ثم قال ابن مسعود: هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر: أي: لأن ذلك فرض كفاية لا يسقط عن أحد بحال. والرضا به من أقبح المحرمات وإن كان ذلك أقل ثمرة (رواه مسلم) وأبو داود وابن ماجه في «سننهما» وأحمد وعبد في «مسنديهما» وأبو يعلى وابن أبي الدنيا وغيره ذكره السخاوي في «تخريج الأربعين» حديثاً التي جمعها المؤلف وبسط في بيان طرق الحديث. قيل:

وهذا الحديث يصلح أن يكون ثلث الإسلام لأن الأحكام ستة: الواجب والمندوب، والمباح، وخلاف الأولى، والمكروه، والحرام. والمستفاد منه حكم الأول وهو أنه يجب الأمر منه، والأخير وهو أنه يجب النهي عنه. وعبر بعضهم بأنه نصفه وبينه بأن أعمال الشريعة إما معروف يجب الأمر به، أو منكر يجب النهي عنه: أي وهو إنما بين الثاني وهو غير سديد، لأن ما عدا الأول والثاني لا يجب الأمر به ولا النهي عنه، على أنه كما بين الثاني: أعني وجوب النهي عن المنكر بين الأول، لأن المنكر يشمل ترك الواجب وفعل الحرام، فتغيير الأول بالأمر بالواجب والثاني بالنهي عن الحرام، فعليه كان المناسب أن يقال إنه كل الإسلام لا نصفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>