لكن في حديث «الصحيحين» : «فإن لم يفعل فليمسك عن الشر فإنه له صدقة» وهو يدل على أنه يكفيه أن لا يفعل شيئاً من الشرّ ويلزم من ذلك القيام بجميع الواجبات وترك جميع المحرمات، وهذا هو الشكر الواجب، وهو كاف في شكر هذه النعم وغيرها. أما الشكر المستحبّ فهو أن يزيد على ذلك بنوافل الطاعات القاصرة كالأذكار والمتعدية كالإعانة والعدل، وهذا هو المراد من هذا الحديث وأمثاله مع أن فيه ذكر بعض الطاعات (يعدل) أي يصلح وهو بتقدير «أن» قبله في تأويل مصدر مبتدأ خبره صدقة أو أوقع الفعل فيه موقع المصدر: أي مع قطع النظر عن «أن» ، وهذا الإعراب جار في قوله وتعين وما بعده كما سبق في باب بيان كثرة طرق الخير أي عدله (بين الاثنين) المتهاجرين أو المتخاصمين أو المتحاكمين بأن يحملهما لكونه حاكماً أو محكماً أو مصلحاً بالعدل والإنصاف والإحسان بالقول أو الفعل على الصلح الجائز، وأشار إلى أنه الذي لا يحلّ حراماً ولا يحرم حلالاً (صدقة) عليها لوقايتهما مما يترتب على الخصام من قبيح الأقوال والأفعال، ومن ثم عظم فضل الصلح كما أشير إليه بقوله تعالى:
{أو إصلاح بين الناس} وقوله تعالى: {كونوا قوامين بالقسط}(النساء: ١٣٥) أي العدل {شهداء ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فا أولى بهما}(النساء: ١٣٥) وجاز الكذب فيه مبالغة في وقوع الألفة بين المؤمنين (ويعين الرجل في دابته فيحمله عليها) نفسه أو غيره بإمساكها لذلك (أو يضع) وأورده المصنف في «الأربعين»«أو يرفع»(له عليها متاعه) وهو كل ما ينتفع به من عرض الدنيا قليلاً كان أو كثيراً (والكلمة الطيبة) وهي كل ذكر أو دعاء للنفس أو للغير، وسلام عليه وردّ وثناء بحق ونحو ذلك مما فيه سرور واجتماع القلوب وتآلفها. وكذا سائر ما فيه معاملة الناس بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، ومنه قوله:«ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» وقد سبق مع حديث أبي هريرة هذا في باب بيان طرق الخير (صدقة وبكل خطوة) وهو بفتح الخاء المعجمة للمرة الواحدة وضمها لما بين القدمين (يمشيها إلى الصلاة) وكذا إلى سائر الطاعات كطلب العلم وصلة الأرحام وزيارة الإخوان (صدقة وتميط) بضم أوله: أي تزيل (الأذى) هو ما يؤذي المارّة من حجر أو شوك أو نحوهما (عن الطريق) مذكر ومؤنث (صدقة) وأخرت هذه لأنها دون ما قبلها كما يشير إليه خير