للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين (فقال أبو بكر) الصديق (رضي الله عنه) تألفاً لأبي سفيان وتعظيماً ليسكن الإيمان في قلبه ويميل إلى المؤمنين وتوادهم (أتقولون هذا) أي القول، فهو مفعول مطلق (لشيخ قريش وسيدهم) فإنه كان عقيدهم في الحروب وإليه مرجعهم فيها لكونه كان أكبر بني عبد مناف حينئذٍ (فأتى) الصديق (النبي فأخبره) بما وقع من أولئك ومنه في جوابهم (فقال: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم) أي زجرتهم، أو أسأت إليهم فتسبب عن ذلك غضبهم؛ ثم بين ما يترتب على غضبهم مؤكداً بالقسم المقدر المؤذن به اللام في قوله: (لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك) لأنهم أولياؤه، وفي الحديث

القدسي «ومن عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب» وفي التعبير بربك المؤذن إلى أنه رباه بنعمه ونقله من حالة إلى حالة أكمل منها بفضله وكرمه، وذلك مستلزم للمحبة فقد جبل الإنسان على حب الإحسان، ومن أحبّ شيئاً أحبّ ما يتعلق به ويرجع إليه وهؤلاء لكونهم جنده وحزبه محبوبون له، فمن أغضبهم فقد غفل عن ذلك وتعرض لغضب الباري سبحانه وتعالى، الإيماء إلى طلب محبة أوليائه المؤمنين والتلطف بهم. وهذا الحديث فيه دلالة على عظم رتبة المذكورين فيه عند الله تعالى، وفيه احترام الصالحين واتقاء ما يؤذيهم أو يغضبهم (فأتاهم فقال: يا إخوتاه) يا فيه للنداء للاستغاثة بهم، وإذا استغيث بالاسم المنادى ولم تدخل عليه لام الجر كيا لزيد فالأكثر أن يتصل بآخره ألف كقوله:

يا يزيدا الآمل نيل عز

وغنى بعد فاقة وهوان

ولك إذا وقفت حينئذٍ أن تأتي بهاء السكت كذا في التوضيح وغيره، وحينئذٍ فلعل الصديق وقف على هذا المنادي فلذا أتى فيه بالهاء أو أنه أتى بها على لغة من يلحقها لغير المندوب وهي لغة قليلة حكاها ابن السيد في «شرح الجمل» وغيره (أغضبتكم) أي بما قلته من جهة أبي سفيان (قالوا: لا) أي لم يحصل لنا من ذلك غضب وذلك لعلمهم بأن الصديق لم يحتقرهم ولا قصد إيذاءهم، إنما أراد تألفه ليكثر سواد المسلمين بإيمانه وإيمان تابعيه، وقولهم (يغفر الله لك) جملة دعائية مزيدة على الجواب. وفي «اللطف واللطائف» للثعالبي «أن الصديق رضي الله عنه رأى في يد دلال متاعاً فقال: أتبيعه؟ فقال: لا،

<<  <  ج: ص:  >  >>