لكن بعد أن يتفكر فيما يريد أن يتكلم به، فإذا ظهر له أنه خيرمحقق لا يترتب عليه مفسدة ولا يجرّ إلى كلام محرم أو مكروه أتى به (أو ليسكت) فليطلب الصمت حتى عن المباح لأنه ربما أدى إلى محرم أو مكروه، وبفرض أنه لا يؤدي إليهما ففيه ضياع الوقت فيما لا يعني، وقد ورد «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»(متفق عليه) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، وهو من القواعد العظيمة لأنه بين فيه جميع أحكام اللسان الذي هو أكثر الجوارح فعلاً، وبهذا الاعتبار يصح أن يقال فيه إنه ثلث الإسلام. وقال بعضهم: جميع آداب الخير تتفرّع منه، ويشار فيه إلى
سائر خصال البرّ والصلة والإحسان لأن آكدها رعاية حق الجوار، وبهذا الاعتبار يصح أن يقال فيه إنه نصف الإسلام، لأن الأحكام إما أن تتعلق بالحق أو بالخلق، وهذا أفاده الثاني لأن وصلة الخلق تستلزم رعاية جميع حقوقهم.
٧٣٠٩ - (وعن أبي شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء آخره مهملة قبلها تحتية ساكنة (الخزاعي) تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب ملاطفة اليتيم (أن النبي قال: من كان يؤمن با واليوم الآخر فليحسن إلى جاره) ذكر حديث أبي هريرة قبل هذا، لأن ما في ذلك من باب الدرء والتخلية، وما في هذا من باب جلب النفع والتحلية، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأشار المصنف بالجمع بينهما إلى أن كمال الإيمان لا يحصل إلا بالجمع بين الأمرين، فيكفّ عنه أذاه ويحسن إليه بما تصل إليه قدرته (من كان يؤمن با واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن با واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت) ولعل حكمة الفصل بين الجمل في هذه الرواية الإيماء إلى أن مضمون كل منها مطلوب لذاته من غير اعتبار انضمام غيره إليه وإن كان أفضل، ولذلك وصل بينهما في الروايات الأخر (رواه مسلم) في كتاب الإيمان من «صحيحه»(بهذا اللفظ) ورواه أحمد والترمذي.