وعرض صدره: قال الباجي: وهو قدر أربعة أذرع (ومن أتاني يمشي) وأسرع نحو طاعتي (أتيته هرولة) أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم
أحوجه إلى مزيد مشي في وصوله لمراده، والمقصود أن جزاءه يكون على حسب عمله وتقربه، والهرولة بفتح الهاء وسكون الراء وهي إسراع في المشي دون الخبب، قال المصنف: هذا الحديث من أحاديث الصفات، ومستحيل إرادة ظاهره لما فيه من باب التمثيل كما سيأتي قال القرطبي إن قيل مقتضى ظاهر الخطاب أن جزاء الحسنة بمثلها إذ الذراع شبران والباع ذراعان وتقدم في الكتاب والسنة أن أقل ما يجازى على الحسنة بعشرأمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف لا تحصى فما وجه الجمع؟ قلنا: هذا الحديث ما سيق لبيان مقدار عدد الأجور وعدد تضاعيفها، وإنما سيق لتحقيق أن الله تعالى لا يضيع عمل عامل قليلاً كان أو كثيراً، وأن الله يسرع إلى قبوله وإلى مضاعفة الثواب عليه إسراع من جيء إليه بشيء فبادر لأخذه وتبشبش له بشبشة من سرته ووقع منه الموقع، ألا ترى إلى قوله: وإن أتاني يمشي أتيته هرولة وفي لفظ آخر «أسرعت إليه» ولا تتقدر الهرولة والإسراع بضعفي المشي، وأما عدد الأضعاف فيؤخذ من حديث آخر لا من هذا الحديث اهـ. وما ذكره من أن الباع ذراعان مخالف لما نقله المصنف عن الباجي من أنه أربعة أذرع (ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة) تمييز لقراب الأرض: أي بما يقارب ملأها من الخطايا لو ككان جسماً وجرماً وقوله (لا يشرك بي شيئاً) جملة في محل الحال من فاعل لقى (لقيته بمثلها مغفرة، رواه مسلم) في كتاب الدعوات ورواه ابن ماجه في فضائل التسبيح.
(ومعنى الحديث) أن قوله تعالى فيه «من تقرّب مني شبراً» إلى قوله «أتيته هرولة» ليس على ظاهره لاستحالته على الباقي لما فيه من اعتوار الحركة وغيرها عليه تعالى عن ذلك، بل معناه: من تقرب إلى بطاعتي تقربت إليه برحمتي، وإن زاد زدت. فظاهره أن قوله: وإن زاد زدت، تفسير للمراد من قوله: ومن تقرب مني ذراعاً، وفيه ما لا يخفى بل الظاهر أنها أومأت إلى جزاء العامل على عمله الصالح وإن قل، فالجملة الأولى لبيان عظم الثواب على كثرة العمل ومزيد المجاهدة، والثانية لبيان حصول ثواب العمل وإن قل {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً}(الكهف: ٣٠) والله أعلم. (وإن أتاني) أي أقبل على طاعتي