البخاري بلفظ «فقال ربه، أعلم عبدي أن له ربا؟» وعلى هذا المعنى يحمل ما حذف منه الفاء والهمزة، أي أعلم أن له رباً، والاستفهام ليس على حقيقته، ولا يجوز أن يكون مما حذف فيه العطف لأنه لا يحذف إلا الواو فقط عند أمن اللبس (يغفر الذنوب جميعاً) أي الكثيرة فما بالك بالذنب الواحد (ثم عاد) أي بعد التوبة منه إليه أو إلى ذنب آخر (فأذنب فقال أي) بفتح الهمزة المقصورة، وحكى الكسائي أنها قد تمد أيضاً كما قاله المرادي، قال: وحكى بعضهم أنها قد تمتد إذا بعدت المسافة فيكون المد لها دليلاً على البعد وسكون الياء حرف نداء، قيل للبعيد وعليه فأتى بها لكونه كالبعيد من حيث إنه لا يراه أحد سوى المصطفى من العباد في الدنيا بالعين الشحمية، وقيل إنها للقرب كالهمزة وعليه فالنداء بها لكونه أقرب إلى كل من حبل الوريد، ونادى ثانياً بأي لما يومىء إليه العود إلى الذنب من البعد وقلة الاهتمام بالديانة وعقب النداء بقوله (ربّ) بكسر الموحدة الدالة على الياء المضاف إليها المحذوفة ويحتمل أن يكون بفتحها دلالة على الألف المحذوفة المنقلبة إليها الياء تخفيفاً، ويحتمل أن يكون بضمها وهذه الوجوه الثلاث من جملة اللغات الست الجائزة في المضاف للياء من مثله، وكان النداء للفظ الربّ توسلاً إلى التكميل والتخليص من نقص المخالفة، فإن الربّ هو الذي
يربي الشيء ويبلغه إلى كماله (اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب) أي إن شاء أل فيه للجنس فيساوى لكونه مفرداً محلى بأل الجنسية الذنوب في العموم والشمول (ويأخذ) أي يعاقب (بالذنب) وأتى به مظهراً تقبيحاً له وتنبيهاً على داعي الأخذ وهو المخالفة (ثم عاد فأذنب ذنباً فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي) أي لتوبته الصحيحة المشير إليها «قوله: اللهم اغفر لي» أو بمحض الفضل وإن لم يتب. والأول أقرب وسيأتي في كلام المصنف ما يقويه (فليفعل ما شاء) أي من الذنب المعقب بالتوبة الصحيحة، ففيه أن التوبة الصحيحة لا يضرّ فيها نقص بالذنب ثانياً بل مضت على صحتها ويتوب من المعصية الثانية وهكذا