للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقت في وقته، أو المراد إذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالبقاء إلى الصباح وكذا عكسه بل انتظر الموت كل وقت واجعله نصب عينيك، وعقب به المصنف ما قبله لأن الحديث للحض على ترك الدنيا والزهد فيها كما سيأتي بيانه في الأصل، وهذا للحض على تقصير الأمل فذاك متوقف على هذا لأنه المصلح للعمل والمنجي من آفات التراخي والكسل، فإن من أطال أمله ساء عمله، فعلم أن هذا سبب للزهد في......

الدنيا، وقولهم إنه هو مرادهم أن بينهما تلازماً صيرهما كالشيء الواحد فهو مجازي وإلا فالحقيقة ما قلنا، فمن قصر أمله زهد ومن طال أمله رغب وترك الطاعة وتكاسل عن التوبة وقسا قلبه لنسيان الآخرة ومقدماتها من الموت وما بعده من الأهوال (وخذ من صحتك) أي أعمالاً صالحة تستعين في تحصيلها بها مبتدأه منها منتهية أو مدخرة (لمرضك) أي لمدته التي تشتغل عنها في المرض أي فلا تغفل عنها في زمن تمكنت فيه منها، وهو زمن الصحة لئلا تغبن في صفقتك (و) خذ (من حياتك لموتك) يحتمل أن يكون أعم مما قبله بأن يراد الإكثار منها ولو في زمن المرض المتمكن فيه منها فيكون فيه ترق وزيادة في التحريض على اغتنام الطاعة وعدم التواني فيها مع إمكانها ولو شقت وصعبت على النفوس لمرض أو غيره، ويحتمل أن يكون بمعنى ما قبله أي من زمن صحتك مدة حياتك فيكون تأكيداً لما قبله واهتماماً به وزيادة تحريض عليه، وبالجملة فرأس مال المؤمن صحته وحياته وأيام حياته زمن تجارته فلا ينبغي له أن يفرط فيها مع التمكن منها ليحصل له من ربح التجارة ونفعها ما يدوم نفعه عليه عند حاجته إليه لنحو مرض، وفي الحديث «إذا مرض العبد أو سافر بقول الله لملائكته اكتبوا ما كان يعمله صحيحاً مقيماً» وهذا فيه توسل لدوام فضل المولى سبحانه بحسن العمل، وفي الحديث «تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» وقلت في هذا المعنى:

أيها السالك المريد تنبه

من منامك وغفلة قبل فوتك

خذ لسقم من الشباب وبادر

ومن الوقت قبل فوت لموتك......

(رواه البخاري) في الرقاق من صحيحه، ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» ، وابن حبان في «صحيحه» ، وقد صرح الأعمش فيه بتحديث مجاهد له في الصحيح بخلاف رواية ابن حبان، ولذا قال: مكثت مدة أتوهم أن الأعمش سمع هذا الحديث من ليث ودلسه حتى رأيت ابن المديني رواه عن الطفاوي فصرح بقول الأعمش سمعت مجاهداً. ذكره السخاوي في «تخريج الأربعين» حديثاً التي جمعها المصنف، ثم نقل أنه أنكر الاتصال وقال: إنما رواه الأعمش بالعنعنة، وكذا رواه عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>