للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابه، وكذا أصحاب الطفاوي عنه، وتفرد ابن المديني بالتصريح قال: ولم يسمعه الأعمش عن مجاهد وإنما سمعه من ليث عنه فدلسه: يعني فرجع الحديث إلى ليث وسكت عن رده، وكأنه لوضوحه بأن الصحيح ما في الصحيح فلا عبرة بما يخالفه (قالوا) أي شراح الحديث المدلول عليهم بالسياق (معناه) أي معنى الحديث من حيث الجملة (لا تركن) بفتح الكاف وبضمها لأنه جاء من بابي علم ونصر كما في «مفردات الراغب» ، زاد في «الصحاح» أن الذي حكاه من باب علم. أبو زيد قال: وما حكى أبو عمرو: ركن يركن، بالفتح فيهما فإنما هو على الجمع بين اللغتين اهـ: أي لا تمل وتسكن (إلى الدنيا) وتطمئن بها (ولا تتخذها وطناً) يحتمل أن يكون من عطف الجزء على الكل اهتماماً، وذلك لأن السكون إليها والطمأنينة بها إنما يكون مع توطنها، ويحتمل أن يكون من عطف المغاير، فالأولى للنهي عن النظر لزهراتها على وجه الإعجاب بها والميل إليها. والثانية للنهي عن استيطانها والإقامة بها، وذلك لأن من توطن مكاناً سعى في عمارته، وعمارتها خلاف شأن الحازم لأنه مفارق لها إلى دار لا يفارقها الأبد، فحقه الاحتفال بتلك لا بهذه، وهذا راجع لقوله «كن في الدنيا كأنك غريب» لأن شأن الغريب عدم الركون لغير وطنه وترك التوطن بسواه. وقوله (ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها) راجع لقوله أو عابر سبيل، لأن شأن من دخل بلداً في أثناء......

سفره ألا يحدث نفسه بالمقام بها لأنه ينقطع بذلك عن الرفق فتلحقه المشاق، ولا بالاعتناء بتلك البلد لأن المرء لا يعتني بحسب طبعه إلا بما يعود نفعه عليه من وطنه، وقوله (ولا تتعلق منها) ظرف مستقر صفة لمحذوف: أي بشيء منها أو بمعنى متعلق بالفعل: أي تعلقاً مبتدأ منها، فمن للتبعيض أو للابتداء (بما) أي بالذي (لا يتعلق به الغريب في غير وطنه) مما لا تدعو إليه ضرورته من زاد ومركوب، فكذا شأن الحازم ألا يتعلق في سفره إلى مولاه بشيء من الدنيا إلا براحلته التي يتوصل بها إلى مرضات ربه وهي نفسه، فيشتغل بما يتوصل به إلى أن يؤديها حقها ويكفيها عن الغير، وكذا يكتسب ما يقوم به من تجب عليه مؤنتهم وبزاده الذي هو امتثال الأوامر واجتناب النواهي ويعرض عما عداه (ولا يشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>