للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعله في مكانة واحدة من حيث الاختيار منه عند الرواية، مع غيره من روايات الصحابة؛ ولا شك أن هذا وذلك غير الواقع في الصحيحين." (١)

نخلص مما سبق (٢):

أن علماء الحديث اختلفوا في تأويل مراد الحاكم من شرط الشيخين، وهل مراده اشتراط العدد في كل طبقة من طبقات الإسناد، أو أن يكون الراوي مشهورًا زال عنه وصف الجهالة برواية راويين عنه فأكثر.

والمعنى الثاني أيّده الأكثر، ومنهم من كان معاصراً له كتلميذه البيهقي، بل إن أغلب من ذهب إلى تأويل مراده باشتراط الشهرة كانوا أقرب لعصره ممن اشترط العدد، ونلحظ أن من اشترط العدد قد زادوا على نص الحاكم ما لم يصرّح به من تعدد رواة الحديث من الصحابة، ولعله قد اُلبِس عليهم في ذلك.

إلا أن ما ذهب إليه الحاكم - عموما- لم يسلم من توجيه الانتقاد إليه في نسبة ذلك إلى الشيخين رغم إخراجهم لأحاديث رواة ليس لهم إلا راوٍ واحد، ووجه بعضهم ذلك بكونه شرطًا أغلبيًا، وذكروا أن ما أُخرِج في أصول الكتابين اُلتُزِم فيه بالشرط، وإنما الاعتراض بالنقد يتوجّه للرواة الذين أُخرج لهم في الشواهد والمتابعات، وهؤلاء ليسوا ضمن شرط الشيخين في الاحتجاج بهم.

ومن يتأمل تعريف الحاكم للصحيح في كتابه "معرفة علوم الحديث" فإنه جاء عاماً ولم يُقيد بما أخرجه الشيخان في صحيحهما، واقتصر فيه على اشتراط زوال الجهالة عن


(١) ينظر: علي، الإمام الحاكم، ٢٢٨ - ٢٢٩ باختصار.
(٢) إن اختلاف العلماء في فهم كلام الحاكم وتوجيهه والاستدلال بصنيعه، يجعل من الصعب أو العسير الحكم على مراده دون جمع لأقواله، ومعرفة المتقدم منها من المتأخر، وما نُقِّح من كتبه وما عاجلته المنية قبل أن يتيسّر له تنقيحه وتبيضه، هذا عدا استقراء كتبه ومنهجه بشكل عام ومستفيض؛ لاستخراج القاعدة الأغلبية التي يسير عليها، وفي هذا المبحث يطول الأمر ويصعُب استقصاء ذلك، فهو بحاجة إلى بحث مطوّل بل أبحاث؛ لذا ما ذُكر هنا من خلاصة هذا المبحث إنما هو مجرد اجتهاد في جمع الأقوال، وتأمل استنتاجات من سبق مع أدلتهم، والخروج بنتيجة وفق هذه المعطيات، والله أعلم بالصواب.

<<  <   >  >>