للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القيد الأول: أن تكون العلة غامضة خفيّة.

والخفي في اللغة من: الاستتار وعدم الظهور، وهو خلاف الظاهر. (١)

والغامض من الكلام: خلاف الواضح. (٢)

وبالنظر إلى ما سبق من تعريفات للعلة، فقد أشار الحاكم إلى قيد الغموض والخفاء في العلة حيث قال: "يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة، فيخفى عليهم علمه، فيصير الحديث معلولا، والحجة فيه عندنا الحفظ، والفهم، والمعرفة لا غير." (٣)


(١) ينظر: ابن سيده، المحكم، ٥/ ٢٦٥، المعجم الوسيط، ١/ ٢٤٧.
(٢) ينظر: الرازي، الصحاح، ٣/ ١٠٩٦، المعجم الوسيط، ٢/ ٦٦٢.
(٣) الحاكم، علوم الحديث، ١١٢ - ١١٣.
ومن أمثلة غموض العلة وخفائها، ما صرّح به أبوحاتم في تعليله لبعض الأحاديث بقوله: (هذا الحديث له علة قل من يفهمها، أو ومن لا يفهم يستغرب هذا، ونحو ذلك من العبارات الشبيهه ... ) ومثال ذلك:
- المثال الأول: قول ابن أبي حاتم: "وسألت أبي عن حديث رواه إسحاق بن الطباع، عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها؟
قال أبي: هذا من تخاليط ابن لهيعة، ومن لا يفهم يستغرب هذا، وهو عندي خطأ؛ وحدثنا أبو الأسود، عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله، عن أبيه؛ أنه كان يقول: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها؛ وهذا أشبه. ابن أبي حاتم، العلل، ٤/ ٣٦ - ٣٨ (١٢٣٣).
- المثال الثاني: قوله: "وسألت أبي عن حديث رواه قيس بن الربيع، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان؛ قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: قرأت في التوراة: بركة الوضوء قبل الطعام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بركة الطعام: الوضوء قبل الطعام وبعده؟ قال أبي: هذا حديث منكر، لو كان هذا الحديث صحيح؛ كان حديثا، وأبو هاشم الرماني ليس هو.
قال: ويشبه هذا الحديث أحاديث أبي خالد الواسطي عمرو بن خالد، عنده من هذا النحو أحاديث موضوعة عن أبي هاشم، وعن حبيب بن أبي ثابت.
قال أبي: روى عمرو بن خالد، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث موضوعة؛ خمسة، ستة.
قال أبي: ومن لم يفهم - ورأى تلك الأحاديث التي يروي عنه ابن جريج، وحسين المعلم - يظن أن [أبا] خالد هذا هو الدالاني، والدالاني ثقة، وهذا ذاهب الحديث، ومن يفهم لم يخفى عليه. ابن أبي حاتم، العلل، ٤/ ٣٨٢ - ٣٨٤ (١٥٠٢).
- المثال الثالث: قوله: "وسمعت أبي وذكر الحديث الذي رواه إسحاق بن راهويه، عن بقية؛ قال: حدثني أبو وهب الأسدي؛ قال: حدثنا نافع، عن ابن عمر قال: (لا تحمدوا إسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة رأيه).
قال أبي: هذا الحديث له علة قل من يفهمها؛ روى هذا الحديث عبيدالله بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعبيدالله بن عمرو كنيته: أبو وهب، وهو أسدي؛ فكأن بقية بن الوليد كنى عبيدالله بن عمرو، ونسبه إلى بني أسد؛ لكيلا يفطن به، حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط لا يهتدى له، وكان بقية من أفعل الناس لهذا ... " ابن أبي حاتم، العلل، ٥/ ٢٥٠ - ٢٥٢ (١٩٥٧).

<<  <   >  >>