المذهب الأول: فهم من كلام الحاكم اشتراطه للعدد (أي: تعدد الرواة في كل طبقة من طبقات السند بما لا يقل عن راويين) فمنهم من فهم ذلك وأيّده كالميانشي (ت ٥٨١ هـ)، ومنهم من اعترض عليه وخطّأه كالحازمي (ت ٥٨٤ هـ).
والمذهب الثاني: فهم من كلام الحاكم اشتراطه للشهرة (أي: شهرة الراوي وخروجه عن حد الجهالة برواية راويين عنه على الأقل) فمنهم من فهم ذلك ووافقه عليه كتلميذه البيهقي (ت ٤٥٨ هـ)، وأبو علي الجياني -الغساني- (ت ٤٩٨ هـ).
ومنهم من فهم ذلك وانتقد تعميمه على جميع ما أُخرِج في الصحيحين كابن منده (ت ٤٧٠ هـ)، وابن طاهر المقدسي-ابن القيسراني- (ت ٥٠٧ هـ).
وهناك من انتصر للحاكم على كلا المذهبين، وأشار إلى احتمالهما جميعاً كابن الأثير (ت ٦٠٦ هـ)، وهناك من رجّح المذهب الثاني كالسيوطي (ت ٩١١ هـ)، بينما هناك من رجّح الثاني وبيّن أنه غير مطّرد في جميع ما اُخرج في الصحيحين كابن حجر (ت ٨٥٢ هـ)، وتلميذه السخاوي (ت ٩٠٢ هـ).
بينما يدل صنيع الحاكم في المستدرك على موافقة جمهور أهل السنة من المحدثين، الذين لم يشترطوا تعدد الرواة، بل قبلوا أحاديث الآحاد والأفراد.
فهذا الشرط، وإن انطبق على بعض الأحاديث الصحيحة؛ لكنه لا يَعُمُّ كل الصحيح، بل من الصحاح آحاد وأفراد.
هذا، ويمكن اختصار تعريف الصحيح بكونه (ما اتصل سنده بنقل الثقة)(١).
وبهذا نختم فصل الحديث الصحيح، وننتقل إلى الفصل الثاني من فصول هذا البحث، وتحرير النوع الثاني الذي ذكره ابن الصلاح، وهو الحديث الحسن.
(١) من إضافات فضيلة المناقش أ. د. سعد بن عبدالله الحُميّد.