للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أما ابن حجر فلم يتطرق لنفي النكارة في الصحيح ولا في الحسن، وعلّل ذلك بقوله: "أن المنكر على قسميه عند من يخرجُ الشاذَّ هو أشد ضعفا من الشاذ. فنسبة الشاذ من المنكر نسبة الحسن من الصحيح فكما يلزم من انتفاء الحسن عن الإسناد انتفاء الصحة؛ كذا يلزم من انتفاء الشذوذ عنه انتفاء النكارة" (١).

وكذلك فإن تعريف المنكر عنده هو: مخالفة الضعيف لمن هو أولى منه، وكونه لم يشترط في تعريف الحسن لذاته نفي النكارة؛ لأن رواة الحسن لذاته ليسوا ضعفاء، إنما هم في مرتبة تقلّ قليلاً عن مرتبة رواة الصحيح عنده.

أما الحسن لغيره فمن شروطه أن يكون ضعفه منجبراً؛ بينما المنكر لا ينجبر في جميع أحواله؛ إذ يتراوح عنده بين تفرّد ضعيف لا يُحتمل تفرّده- ففي هذه الحالة لم يتحقق شرط المتابعة - وبين ضعيف خالف من هو أولى منه، وكليهما لا ينجبران، فانتفى شرط النكارة باشتراط انجبار الضعف؛ لذا لم يكن هناك داعٍ لاشتراطه في حد الحسن عند ابن حجر، والله أعلم.

نخلص مما سبق:

أن من المعاني التي يأتي بها الشذوذ في اللغة معنى التفرّد، والمخالفة، وهي كذلك في الاصطلاح، وقد استعمل ابن الصلاح المعنيين في تعريف الشاذ اصطلاحاً -إذ جعله على قسمين- بينما اختار ابن حجر لتعريف الشاذ أنه: مخالفة المقبول لمن هو أولى منه، وذكر أنه هو المعتمد عند أهل الاصطلاح (٢)، وفرّق بين الشاذ والمنكر خلافاً لابن الصلاح الذي جعلهما بمعنى واحد.


(١) ابن حجر، النكت، ١/ ٢٣٧.
(٢) وأشار إلى الإطلاقات الأخرى للشذوذ والنكارة والتي يتداخل بعضها مع الآخر.

<<  <   >  >>