للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتلخّص من عبارة الإمام مسلم- رحمه الله- أنه يتجنب ذكر المناكير في صحيحه، ويترك الرواية عمن عُرف بروايتها واشتهر بها، وأن الحديث المنكر ضعيف مردود، ويُستدل عليه بمخالفة الثقات، أو بتفرّد من لا يُحتمل منه هذا التفرّد. (١)

وأشار البقاعي إلى أن هذا التفرّد ينقدح في النفس أن له علة قد لا يُقدر على التعبير عنها، فقال ناقلاً لما ذكره الإمام مسلم - بتصرّف-: "إن المنكر أن يعمد الرجل إلى مثل الزهري في كثرة الأصحاب، فينفرد من بينهم عنه برواية حرف لا يوجد عند أحد منهم، فمثل هذا يقوم في النفس فيه ريبة لمجرد التفرد، وقد لا يقدر على التعبير عنها" (٢). فقد أوضح البقاعي نوع التفردات التي يستنكرها الإمام مسلم، ويُفهم من ذلك - ومما جاء عن مسلم في مقدمة صحيحه- أنه يجمع في إطلاق وصف النكارة بين رواية الضعيف المُخالف للثقات، والمتفرّد تفرداً لا يُحتمل.

نخلص مما سبق:

لقد سبق الإمام مسلم ابن الصلاح في الجمع بين قيدي المخالفة والتفرد في بيانه لعلامة الأحاديث المنكرة، فاتفقا في أن التفرّد غير المحتمل من الراوي يُعدُّ منكراً، بينما خصّ مسلم المخالفة برواية الضعيف المُخالِف لغيره من الثقات، وأطلق ابن الصلاح المخالفة من الراوي (ثقة كان أو غير ثقة) لمن هو أولى منه.

ومن أبرز التعريفات التي جمعت بين المخالفة والتفرّد ضمن قيود المنكر: تعريف ابن حجر الذي نقله عنه بعض تلامذته كالبقاعي والأنصاري، وأطلق النكارة على مخالفة الضعيف القابل للانجبار، بينما عدّ مجرد التفرّد من الشديد الضعف منكراً.


(١) ينظر: السلمي، المنكر، ١/ ٤١، حمام، التفرّد، ٤٢٢. بتصرف.
(٢) البقاعي، النكت، ١/ ٤٦٧. نقل كلامه بتصّرف، وهو يدل على ما فهمه من قيام ريبة في حديث المتفرد دعت إلى استنكار حديثه، وليس فقط مجرد التفرّد.

<<  <   >  >>