للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعريفات من جاء بعد ابن الصلاح:

أما من جاء بعد ابن الصلاح فمنهم من اختصر تعريفه كالنووي (ت ٦٧٦ هـ) (١)، وابن جماعة (ت ٧٣٣ هـ) (٢)، ومنهم من استدرك وتعقّب كابن دقيق العيد (ت ٧٠٢ هـ) (٣)، وتلميذه الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) حيث أضاف قيد نفي التدليس، فقال في كتابه الموقظة: "فالمجمع على صحته إذاً: المتصل السالم من الشذوذ والعلة، وأن يكون رواته ذوي ضبط وعدالة وعدم تدليس" (٤).

وأطال ابن كثير (ت ٧٧٤ هـ)، في تعريف الصحيح - جامعاً أغلب ما اُستدرِك على من سبقه- فقال: "حاصل حد الصحيح: أنه المتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله، حتى

ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو إلى منتهاه، من صحابي أو من دونه، ولا يكون شاذاً، ولا مردوداً، ولا معللاً بعلة قادحة، وقد يكون مشهوراً أو غريباً" (٥)


(١) قال -رحمه الله-: "هو ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة". وقوله "بالعدول الضابطين" محتملة لأن يكون مراده مجموع رواة الإسناد من أوله إلى آخره، ويحتمل اشتراطه العدد وليس مراداً كما قال السيوطي في "التدريب": "توهم أن يرويه جماعة ضابطون عن جماعة ضابطين، وليس مرادا"، المراجع: النووي، التقريب، ٢٥، السيوطي، التدريب، ١/ ٢٧.
(٢) قال -رحمه الله- مختصراً لكلام ابن الصلاح: "اعلم أن الحديث الصحيح: هو ما اتصل سنده برواية العدل الضابط عن مثله، وسلم عن شذوذ وعلة". ابن جماعة، المنهل الروي، ٣٣. ثم أشار كغيره إلى سبب الاختلاف في الحكم على بعض الأحاديث بالصحة، والسبب في ذلك اختلافهم في وجود هذه الشروط أو انتفائها، وأعقب ذلك بذكر تعريف الشافعي والخطابي للحديث الصحيح.
(٣) ناقش تعريف ابن الصلاح ثم تعقّبه بقوله: "ولو قيل في هذا الحدِّ: الصحيح المجمع على صحته هو كذا وكذا إلى آخره لكان حسناً، لأَنَّ من لا يشترط بعض هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف. ومن شَرْطِ الحدِّ أن يكون جامعاً مانعاً."ا. هـ، فقد أشار إلى أن ما ذكره ابن الصلاح من قيود للحديث الصحيح إنما تنطبق على المجمع على صحته، وأن هناك من لا يشترط كل هذه القيود، ولعله يقصد بالشروط التي لم يشترطها بعضهم: نفي الشذوذ والعلة، حيث ذكر أن مدار التعريف عند الأصوليين والفقهاء على عدالة الراوي وتيقّظه، وبعضهم يزيد قيد الاتصال. ابن دقيق العيد، الاقتراح، ٥.
(٤) الذهبي، الموقظة، ٢٤. وسلفه- في إضافة نفي التدليس- الشافعي وابن حبان في شروطهما في رواة الصحيح، وحين ناقش تعريف الحديث الحسن أشار إلى التداخل بينه وبين الصحيح.
(٥) ابن كثير، الاختصار، ٢٨. فأشار تعريفه إلى أن الصحة لا تقتصر على المسند المرفوع، بل يشمل الموقوف والمقطوع، وكذلك ليس شرطاً أن يكون الحديث عزيزاً بل قد يكون مشهوراً أو غريباً، ووصف العلة بكونها قادحة، وزاد قيداً بقوله "ولا مردوداً"، ولعله أضافه من باب التأكيد على أن الصحيح من نوع المقبول لا المردود، فإن اُختلف في معنى الشذوذ-كما سيأتي في فصل الحديث الشاذ- فمراده أن الصحيح المتفق عليه يكون من المقبول الذي لم يرد، والله أعلم.

<<  <   >  >>