للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حديثا وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه، لكونهما جميعا كانا في عصر واحد وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا، ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة. والحجة بها لازمة. إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئا." (١)

ويرى رحمه الله أن التفتيش عن موضع السماع في الأسانيد يكون لمن عُرف عنه التدليس، حيث قال: "وإنما كان تفقُّد من تفقَّد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به، فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته ويتفقدون ذلك منه كي تنزاح عنهم علة التدليس." (٢)، وكلامه رحمه الله يُدلِّل على حرص الأئمة على التأكد من سلامة الإسناد من السقط والانقطاع، ويدلل على ذلك أيضاً صنيعه في كتابه التمييز، حيث أعلّ أحاديث لانقطاع في سندها (٣).


(١) مسلم، صحيح مسلم، ١/ ٢٩.
(٢) مسلم، صحيح مسلم، ١/ ٣٣. ذكر ابن حجر حين قسّم المدلسين إلى طبقات ومراتب أن منهم: "من احتمل الائمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري أو كان لا يدلس الا عن ثقة كابن عيينة". ابن حجر، طبقات المدلسين، ١٣.
(٣) من أمثلة ذلك: ما ذكره من سبب إعلاله لحديث ابن لهيعة، وهو أنه أخد الحديث من كتاب دون سماع ولا عرض على المحدث، فقال: "الرواية الصحيحة في هذا الحديث ما ذكرنا عن وهيب، وذكرنا عن عبد الله بن سعيد عن أبي النضر. وابن لهيعة إنما وقع في الخطأ من هذه الرواية، أنه أخذ الحديث من كتاب موسى بن عقبة إليه فيما ذكر، وهي الآفة التي نخشى على من أخذ الحديث من الكتب من غير سماع من المحدث أو عرض عليه. فإذا كان أحد هذين -السماع أو العرض- فخليق أن لا يأتي صاحبه التصحيف القبيح وما أشبه ذلك من الخطأ الفاحش إن شاء الله." مسلم، كتاب التمييز، ١٨٨.
وقد أعلّ كذلك بعض طرق حديث مواقيت الحج المكانية بعدد من العلل، وأعلّ طريق ميمون ابن مهران عن ابن عمر، بعدم سماع ميمون من ابن عمر فقال: "وفي رواية ميمون جعل لأهل المشرق ذات عرق. وسالم، ونافع، وابن دينار، كل واحد منهم أولى بالصحيح عن ابن عمر، من ميمون الذي لم يسمعه من ابن عمر". المرجع السابق، ٢١٥. ينظر كذلك: محمد عوّامة، من منهج الإمام مسلم في عرض الحديث المعلل في صحيحه.

<<  <   >  >>