للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد يصدق الكذوب، لكن، لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يميزون بها ذلك، وإنما يقوم بذلك منهم من يكون اطلاعه تاماً، وذهنه ثاقباً، وفهمه قوياً، ومعرفته بالقرائن الدالة على ذلك متمكنة." (١)

ومن القرائن في المروي، ركاكة ألفاظه ومعانيه، والمراد بالرِّكّة أي: "الضعف عن قوة فصاحته - صلى الله عليه وسلم - في اللفظ والمعنى معاً، مثل ما يُروى في وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. (٢)

وكذا في أحدهما، لكنه في اللفظ وحده مقيد بما إذا صرَّح بأنه لفظ الشَّارع، ولم يحصل التصرُّف بالمعنى في نقله؛ لا سيما إن كان لا وجه له في الإعراب." (٣)

قال ابن دقيق العيد: "وأهل الحديث كثيراً ما يحكمون بذلك باعتبار أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث.

وحاصلُه يرجع إلى أنه حصلت لهم لكثرة محاولة ألفاظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - هبة (٤) نفسانية أو ملكة يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما لا يجوز أن يكون من ألفاظه. كما سئل بعضهم: كيف تعرف أن الشيخ كذاب؟ فقال: إذا روى لا تأكلوا القرعة حتى تذبحوها، علمت أنه كذاب". (٥)

وسُئِل ابن القيم: هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن يُنظَر في سنده؟

فقال: "هذا سؤال عظيم القدر، وإنما يَعلمُ ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن

والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهديه، فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه


(١) ابن حجر، النزهة، ١٠٧ - ١٠٨.
(٢) أي: بعضاً مما يُروى في ذلك، وأخرج ابن الجوزي شيئاً منها في كتابه الموضوعات، ينظر: ابن الجوزي، الموضوعات، ١/ ٢٩٥ - ٣٠١.
(٣) السخاوي، فتح المغيث، ١/ ٣٣١، ينظر: ابن حجر، النكت، ٢/ ٨٤٤، السيوطي، التدريب، ١/ ٣٢٥،
(٤) وفي طبعة دار العلوم أخرى: (هيئة نفسانية)، ينظر: ابن دقيق العيد، الاقتراح، تحقيق: الدوري، ٣١٢.
(٥) ابن دقيق العيد، الاقتراح، ٢٥.

<<  <   >  >>