للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد صرّح ابن خزيمة بهذا الشرط في صحيحه، وضعّف أحاديث وأعلّها أو توقّف في صحتها لجرح في رواتها أو في أحدهم. (١)

ولابن حبان تعريف خاص بالعدل عنده، فقد قال في كتابه الثقات: "العدْل من لم يُعرَف منه الجرح ضد التعديل، فمن لم يُعلَم بجرح فهو عدل إذا لم يبين ضده، إذ لم يُكلَّف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنما كُلِّفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المُغيّب عنهم." (٢)؛ لذا اُنتقد عليه إخراجه لأحاديث رواة مجروحين، إلا أنه برر ذلك بالشروط التي اشترطها في كتابه الثقات حيث أحال عليه، فقال في مقدمة صحيحه:


(١) من أمثلة ذلك في صحيح ابن خزيمة: نجده يؤكّد على اشتراط عدالة الرواة لصحة الخبر، فقال بعد أن أخرج حديثاً في كتاب الوضوء، باب الأمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل: "ولم نر خلافا بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر أيضا صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه." ١/ ٢١ ح (٣٢).
وأخرج حديثاّ في كتاب الصيام، تحت باب إباحة الفطر في اليوم الذي يخرج المرء فيه مسافرا من بلده ثم أعلّه بقوله: "إن ثبت الخبر! " فقال: "حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى, حدثنا عبدالله بن يزيد المقرئ، حدثنا سعيد هو ابن أبي أيوب, حدثني يزيد بن أبي حبيب أن كليب بن ذهل الحضرمي حدثه, عن عبيد ابن جبير .... ثم أعقبه بقوله: "لست أعرف كليب بن ذهل, ولا عبيد بن جبير, ولا أقبل دين من لا أعرفه بعدالة" ٣/ ٢٦٥ ح (٢٠٤٠).
وأخرج حديثاّ في كتاب الصيام، باب ذكر البيان أن الحجامة تفطر الحاجم والمحجوم جميعا، وعقّبه بقوله: "وهذا الإسناد غلط ليس فيه عطاء بن يسار، ولا أبو سعيد وعبد الرحمن بن زيد ليس هو ممن يحتج أهل التثبيت بحديثه لسوء حفظه للأسانيد، وهو رجل صناعته العبادة والتقشف والموعظة والزهد، ليس من أحلاس الحديث الذي يحفظ الأسانيد" ٣/ ٢٣٣ ح (١٩٧٢).
للاستزادة ينظر: محمد عوّامة، من مصطلح ابن خزيمة في إعلاله الحديث في صحيحه.
(٢) ابن حبان، الثقات، ١/ ١٣. وقد تعقّب ابن حجر مذهب ابن حبان بقوله في كتابه لسان الميزان: "وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه، مذهب عجيب، والجمهور على خلافه. وهذا هو مسلك ابن حبان في كتاب الثقات الذي ألفه فإنه يذكر خلقا ممن ينص عليهم أبو حاتم، وَغيره على أنهم مجهولون، وكأن عند ابن حبان: أن جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور، وهو مذهب شيخه ابن خزيمة ولكن جهالة حاله باقية عند غيره." ا. هـ.
وقد أشار الدكتور عوامة إلى اختلاف موقف ابن حجر من مذهب ابن حبان في توثيق الرواةويُجمع بين موقفه الأول النظري، وموقفه الثاني التطبيقي، بأن الأول كان أولاً من حيث الزمن، فإن فراغه من تأليف (لسان الميزان) كان سنة ٨٠٥ هـ، ولنقدِّر تاريخ البدء به قبل سنة واحدة، أما نقوله المتقدمة عن (الأمالي المطلقة) فكانت متأخرة، كان أولها آخر سنة ٨٢٨ هـ، وآخرها أواخر سنة ٨٣٠ هـ. والله تعالى أعلم.".
وقال الدكتور عبدالجواد حمام ضمن نتائج بحثه الموسوم بـ (جهالة الرواة وأثرها في قبول الحديث النبوي): "منهج ابن حبان الذي اختطّه وأدار عليه كتابه (الثقات) فيه توسّع وتساهل في الظاهر من حيث عدّ الأصل في الرواة العدالة حتى يثبت خلافها، لكنه في الوقت نفسه لا يقبل أحاديث هؤلاء إلا بشروط نصَّ عليها، وكثير من المحدِّثين المحقِّقين يوافقونه في تطبيقاتهم وأحكامهم." المراجع: ابن حجر، لسان الميزان، ١/ ٢٠٨ - ٢٠٩، حمام، جهالة الرواة، ٢/ ١١٣٧، محمد عوّامة، لمحات في بيان مذهب ابن حبان في معرفة الثقات، ٤٩ - ٥٢ باختصار.

<<  <   >  >>