إنّ وجود نظام يكفل للمجتمع كيانه ويحفظه من الفوضى ضرورة لازمة لاستمراريته وبقائه وحفظ كيانه من الاندراس.
يوضح ابن خلدون ماهية هذا النظام في مقدمته (فصل ٢٥ - ص٢٣٨) فيقول: (قوانين سياسية مفروضة يُسلّمها الكافة وينقادون إلى أحكامها، فإذا خلت الدولة من مثل هذه السياسة لم يستتب أمرها ولم يتم استيلاؤها {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ}).
والمسلمون بشتى توجهاتهم المذهبية ومشاربهم الفكرية مجمعون على أهمية وجود النظام وكونه ضرورة لا غنى عنها، بل كل من لديه مسحة عقل لا يجادل في هذا أصلاً.
ولذلك تجد أنّ الخلاف السني الشيعي حول قضية الإمامة ليس منصباً على ضرورة وجود إمام يقود الأمة أو عدم وجوده، إذ كلا الفريقين يرى وجود إمام وقائد للأمة الإسلامية أمراً لا بد منه ولا محيص عنه، لكن مفترق الطريق بين الفريقين منصبّ على نمط هذه الإمامة .. هل لها القدسية التي أعطاها الله عز وجل للنبوة بحيث يكون أمر الحاكم تماماً لو كان النبي عليه الصلاة والسلام موجوداً، لا يخالف، ولا يعارض، ولا يُتصور فيه الخطأ ولا حتى النسيان أم أنها لا تعدو أن تكون ضرورة دينية واجتماعية لحفظ نظام المجتمع الإسلامي؟
هل تنحصر باثني عشر رجلاً منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قيام الساعة أم أنها غير محددة الحكام بحسب حاجة الأمة والتغيرات السياسية التي تحوطها وتتجدد معها؟ هل تنعقد بالنص الإلهي على أشخاص محددين أم بنظام الشورى الإسلامي وبضوابط شرعية تكفل أن لا يتصدر الحكم إلا من هو أهل له؟