ويعزّي الشاطبي نفسه بما أصاب العلامة ابن بطة مع أهل زمانه ناقلاً ما حكاه ابن بطة عن نفسه بقوله:(عجبت من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني والأبعدين والعارفين والمنكرين، فإني وجدت بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها موافقاً أو مخالفاً، دعاني إلى متابعته على ما يقوله، وتصديق قوله والشهادة له. فإن كان صدقته فيما يقول وأجزت له ذلك - كما يفعله أهل هذا الزمان - سماني موافقاً. وإن وقفتُ في حرف من قوله أو في شيء من فعله سماني مخالفاً. وإن ذكرتُ في واحد منها أنّ الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد، سماني خارجياً. وإن قرأتُ عليه حديثاً في التوحيد سماني مشبّهاً .. وإن كان في الرؤية سماني سالمياً .. وإن كان في الإيمان سماني مرجئياً .. وإن كان في الأعمال سماني قدرياً، وإن كان في المعرفة سماني كرامياً، وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر سمّاني ناصبياً، وإن كان في فضائل أهل البيت سماني رافضياً. وإن سكتُ عن تفسير آية أو حديث فلم أجب فيهما إلا بهما سماني ظاهرياً .. وإن أجبت بغيرهما سماني باطنياً .. وإن أجبت بتأويل سماني أشعرياً .. وإن جحدتهما سماني معتزلياً .. إلى أن يقول: (ومهما وافقت بعضهم عاداني غيره، وإن داهنت جماعتهم أسخطتُ الله تبارك وتعالى ..).
[نحن مع الحق وإن قاله خصومنا]
مشكلة الكثير من أرباب الفرق والجماعات أنهم يريدونك نسخة منهم، تنطق بما يؤمنون به هم وآباؤوهم الأولون، لا يريدون لضميرك ولعقلك أن يقول كلمته ولو على وجه التساؤل والبحث عن الحقيقة.