بين ركام هائل من الروايات الشيعية الشاتمة لصحابة رسول الله، والأدعية اللاعنة لهم تبقى حقيقة لن تخفيها تلك المرويات، حقيقة الحب الذي يكنه علي بن أبي طالب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تلك الذكريات وتلك المشاهد العظيمة التي شاركهم فيها جنباً إلى جنب، وبقيت في ذاكرته وأمام عينيه لحظة بلحظة وحادثة بحادثة، على عكس الأطروحة الشيعية التي لا تظهر علاقته بهم وبالأخص الخلفاء الثلاثة إلا بمظهر البغضاء والتنافر ولا تصوره إلا بصورة الحاقد الصامت الذي لا يتعامل معهم بحضرتهم إلا بتقية وحذر ولا يتحدث عنهم من ورائهم إلا بسوء ولعن وكلام يُنبئ عن رغبة في الانتقام!
الصورة الحقيقية الناصعة البياض تبقى وما سواها يطيش، إنها تتجلى في أهم كتاب عند الشيعة الإثني عشرية "نهج البلاغة"، تلك النصوص كفيلة بهدم الأطروحة القائمة على لعن وسب صحابة رسول الله والقول بردتهم وانقلابهم على أعقابهم من بعده!
ولنقف مع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقفة تأمل وهو يصوّر لنا صحابة رسول الله كما رآهم وعاينهم، فيقول:(لقد رأيت أصحاب محمد فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سُجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأنّ بين أعينهم ركب المعزى (١) من طول سجودهم
(١) ركب جمع ركبة موصل الساق من الرجل بالفخذ. وإنما خص ركب المعزى ليبوستها واضطرابها من كثرة الحركة، أي أنهم لطول سجودهم يطول سهودهم، وكأنّ بين أعينهم جسم خشن يدور فيها فيمنعهم عن النوم والاستراحة.