كتبهم التي أُلّفت قبل أواخر القرن الثالث ولم تطلها يد التحريف لا يحوي ما يدل على أنّ هذا الحديث لفت انتباه المؤلفين الشيعة أو أنّ أحداً دار في خلده أنّ هذا الحديث يرتبط بهم بل يظهر أنهم عتّموا تماماً على هذا الحديث المشهور ولعلهم اعتبروه حديثاً مضاداً للتشيع بعد أن شاهدوا العثمانية يستقرؤونه ويستفيدون منه لصالحهم في الاضطرابات التي أودت أخيراً بخلافتهم.
ولم يشر بنو نوبخت لهذا الحديث ولا لحقيقة أنّ الأئمة إثنا عشر ولا حتى سعد بن عبد الله الأشعري ولا ابن قبة في آثارهما التي بين أيدينا، وكلهم عاشوا في أواخر القرن الثالث وعاصروا الغيبة الصغرى) إلى أن قال: (إنّ أول من طرح مسألة الإثني عشر من مؤلفي الشيعة، هما المحدِّثان الكبيران علي بن بابويه القمي ومحمد بن يعقوب الكليني اللذان عاشا أواخر مرحلة الغيبة الصغرى وماتا في أواخرها عامي ٣٢٨ - ٣٢٩هـ.
يقول علي بن بابويه القمي في مقدمة كتابه "الإمامة والتبصرة": إنه لما وَجد كثيراً من شيعة زمانه يعتريهم الشك في أسس المذهب الحق فإنه ألّف هذا الكتاب الذي ضمّنه بعض الأحاديث التي تعيّن عدد الأئمة على وجه الدقة لكي يطمئن الشيعة أنّ مذهبهم هو الصراط المستقيم. فيما أفرد الكليني في الكافي فصلاً للروايات التي تذكر أنّ الأئمة إثنا عشر، مع أنّ هذا الفصل لم يقع في مكانه المناسب، ويبدو وكأنه أُلحق بالكتاب بعد سنوات ربما من قبل المؤلف نفسه) (١).
(١) تطور المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الأولى ص١٥٦ - ١٦٢