كنت مستعداً لأن أكون شيعياً منذ الوهلة الأولى، إن كان الخلاف بين أهل السنة والشيعة خلافاً بين فئة تحب أهل البيت وبين أخرى تبغضهم وتبخسهم حقهم.
كنت مستعداً لنسيان ثلاثة عقود مضت من عمري واستبدالها بأخرى إن اكتشفت بأني قد أخطأت الطريق والخُطا طوال تلك السنين.
لكن الخلاف الحقيقي بين أهل السنة والشيعة ليس بهذه السطحية.
إنّ علماء الشيعة يدركون أن جُل الأحاديث التي يستدلون بها على مكانة أهل البيت وعلى رفعتهم هي أحاديث سنية ترويها كتب أهل السنة، ويدركون كذلك مدى إكبار أهل السنة لمقام أهل البيت وحفظهم لفضائلهم حتى إنّ الأحاديث النبوية المادحة لهم قد سُجّلت ودوّنت في أصح كتبهم بدءاً من البخاري وانتهاء بأقل كتب الحديث عناية بالإسناد.
ومن يتصفح صحيحي البخاري ومسلم أو جامع الترمذي مثلاً فإنه سيجد حتماً أبواباً بعضها في فضائل علي بن أبي طالب والحسن والحسين أو فاطمة أو العباس وابنه عبد الله أو جعفر بن أبي طالب وغيرهم من آل البيت، هذا إلى جانب المصنفات السُنية الكثيرة التي صُنفت في آل البيت خصيصاً كـ"فضائل الحسن والحسين"(١) للإمام أحمد بن حنبل (٢٤١هـ) و"خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب" للحافظ النسائي (٣٠٣هـ) و"ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى" للمحب الطبري (٦٩٤هـ) و"استجلاب ارتقاء الغُرف بحب أقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم وذوي الشرف" للحافظ السخاوي (٩٠٢هـ) و"إحياء الميت
(١) نسبه إليه تقي الدين ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة ٤/ ١٢٥".