للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم هم في حال قدرتهم على المعاداة، وقيام المقتضى للمعاداة، لم يكونوا معادين لله ورسوله، بل موالين لله ورسوله، معادين لمن عادى الله ورسوله، فحين قوي المقتضى للموالاة، وضعفت القدرة على المعاداة، يفعلون نقيض هذا؟! هل يظن هذا إلا من هو من أعظم الناس ضلالاً؟

وذلك أنّ الفعل إذا حصل معه كمال القدرة عليه، وكمال الإرادة له وجب وجوده، وهم في أول الإسلام كان المقتضى لإرادة معاداة الرسول أقوى، لكثرة أعدائه وقلة أوليائه، وعدم ظهور دينه، وكانت قدرة من يعاديه باليد واللسان حينئذ أقوى، حتى كان يعاديه آحاد الناس، ويباشرون أذاه بالأيدي والألسن.

ولما ظهر الإسلام وانتشر، كان المقتضى للمعاداة أضعف، والقدرة عليها أضعف، ومن المعلوم أنّ من ترك المعاداة أولاً، ثم عاداه ثانياً لم يكن إلا لتغير إرادته أو قدرته.

ومعلوم أنّ القدرة على المعاداة كانت أولاً أقوى، والموجب لإرادة المعاداة كان أولاً أولى ولم يتجدد عندهم ما يوجب تغير إرادتهم ولا قدرتهم، فعُلم علماً يقيناً أنّ القوم لم يتجدد عندهم ما يوجب الردة عن دينهم البتة، والذين ارتدوا بعد موته إنما كانوا ممن أسلم بالسيف، كأصحاب مسيلمة وأهل نجد، فأما المهاجرون الذين أسلموا طوعاً فلم يرتد منهم – ولله الحمد – أحد) (١).


(١) منهاج السنة النبوية ٧/ ٤٧٥ - ٤٧٨ بتصرف

<<  <   >  >>