منهم في الفتنة والمشاجرات، فوجدناهم يعتقدون الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد الذنوب، ويحترزون عنه غاية الاحتراز كما لا يخفى على أهل السير) (١).
قال العلامة المعلمي في رسالته "الاستبصار في نقد الأخبار ص١٦": (وقد كان العرب يتحاشون من الكذب، وتأكد ذلك فيمن أسلم، وكان أحدهم وإن رق دينه لا يبلغ به أن يجترئ على الكذب على الله ورسوله، وكانوا يرون أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون، وأنه إن اجترأ أحد على الكذب افتُضح.
ولو قال قائل: إنّ الله تبارك وتعالى منع القوم من تعمد الكذب على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بمقتضى ضمانه بحفظ دينه ولا سيما مع إخباره بعدالتهم لما أبعد.
ومن تدبر الأحاديث المروية عمن يمكن أن يُتكلم فيه من الطلقاء ونحوهم ظهر له صدق القوم، فإنّ المروي عن هؤلاء قليل، ولا تكاد تجد حديثاً يصح عن أحد منهم إلا وقد صح بلفظه أو معناه عن غيره من المهاجرين والأنصار، وقد كانت بين القوم إحن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلو استساغ أحد منهم الكذب لاختلق أحاديث تقتضي ذم خصمه، ولم نجد من هذا شيئاً صحيحاً صريحاً.
وفوق هذا كله فأهل السنة لم يدعوا عصمة القوم، بل غاية ما ادعوه أنه ثبت لهم أصل العدالة ثم لم يثبت ما يزيلها، والمخالف يزعم أنه قد ثبت عنده في حق بعضهم ما يزيل العدالة فانحصر الخلاف في تلك الأمور التي زعمها، فإذا أثبت أهل السنة أنها لم تصح وأنّ ما صح منها لا يقتضي زوال العدالة استتب الأمر.
(١) ظفر الأماني في مختصر الجرجاني للكنوي ص٥٠٦ - ٥٠٧.