والثاني: ما أجرى الله العادة به في الدنيا وأمر عباده بتعاطيه؛ كالأكل عند الجوع، والشرب عند العطش، والاستظلال في الحر، والتدفؤ من البرد ونحو ذلك، فهذا أيضًا واجب على العبد تعاطي أسبابه، ومن قصر فيه حتى تضرر بتركه مع القدرة على استعماله فهو مفرط يستحق العقوبة، لكن الله سبحانه وتعالى يقوي بعض عباده من ذلك على ما لا يقوى عليه غيره، فإذا عمل بمقتضى قوته التي اختص بها عن غيره فلا حرج عليه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل في صيامه وينهي عن ذلك أصحابه ويقول لهم:((إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى)). وقد كان كثير من السلف لهم من القوة على ترك الطعام والشراب ما ليس لغيرهم، فمن كان له قوة فعمل بمقتضى قوته ولم يضعفه ذلك عن طاعة الله فلا حرج عليه، ومن كلف نفسه حتى أضعفها عن بعض الواجبات فإنه ينكر عليه ذلك.
والقسم الثالث: ما أجرى الله العادة به في الدنيا في الأعم الأغلب ... إلى أن قال: وقد روي عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن متوكلون، فيحجون فيأتون مكة ويسألون الناس، فأنزل الله هذه الآية (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)، وقد سئل أحمد ـ رحمه الله ـ عمن يقعد ولا يكتسب ويقول: توكلت على الله؟ فقال: ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله، ولكن يعودون على أنفسهم بالكسب، وقد