وإن إصرار الأعمى على الدعاء بقوله:(فادعه) لدليل ثالث على أن مجيئه لم يكن إلا من أجل الدعاء، ومن إصراره يفهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له لأنه وعده بذلك إذا شاء الدعاء، وقد شاء بقوله:(فادعه)، على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أن يكون للأعمى كذلك مشاركة في الدعاء ولكنه لم يترك الأعمى أن يدعو ربه بما شاء، بل علمه دعاء خاصًا وأمره أن يدعو الله به بالإضافة إلى دعائه صلى الله عليه وسلم.
وإن قول الأعمى في آخر الدعاء الذي علمه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اللهم فشفعه في) لدليل رابع على الدعاء.
والشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسمى شفاعة ولا تكون إلا بدعاء الشافع للمشفوع له، فدعاء الأعمى أن يقبل الله شفاعة رسوله فيه ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا له فعلاً، والأعمى يطلب من الله قبول دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ثم قال الشيخ محمد نسيب الرفاعي:(فإذا استجمعنا هذه الأدلة على ثبوت دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للأعمى توحى لنا أمراً هاماً يدور عليه مآل الحديث ويكشف معناه بشكل واضح؛ وهو أن معنى (اللهم إني أسألك بنبيك) أي بدعاء نبيك. ولا يفهم منه التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم وما كان هذا مراد الأعمى من مجيئه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حتى. وإن معنى التوسل المتبادر إلى أذهان الصحابة رضي الله عنهم في ذلك الوقت كان محصورًا فيها في طلب الدعاء من المتوسل به، وليس له المعنى المتعارف عليه عند البعض في زمننا الحاضر أي التوسل بذات المتوسل به، فقد كان مثل هذا التوسل بنفر منه الصحابة؛ لأنه من مفاهيم الجاهلية التي من أجل وجودها بعث الله رسوله إلى الناس كافة).
ويقول الشيخ ناصر الدين الألباني بعد أن رد على الذين يحتجون بهذا