فجعلوا هذا بدلاً عن ذاك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه، وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره ويتوسلوا هناك ويقولوا في دعائهم بالجاه ونحو ذلك من الألفاظ التي تتضمن القسم بمخلوق على الله عز وجل أو السؤال به فيقولون: نسأله أو عليك بنبيك ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس ... ).
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:(وكذلك علم الصحابة أن التوسل به إنما هو التوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته وموالاته أو التوسل بدعائه وشفاعته، فلهذا لم يكونوا يتوسلون بذاته مجردة عن هذا وهذا، فلما لم يفعل الصحابة رضوان الله عليهم شيئًا من ذلك ولا دعوا بمثل هذه الأدعية ـ وهم أعلم منا وأعلم بما يحب الله ورسوله وأعلم بما أمر الله به ورسوله من الأدعية وما هو أقرب إلى الإجابة منا بل توسلوا بالعباس وغيره ممن ليس مثل النبي صلى الله عليه وسلم ـ دل عدولهم عن التوسل بالأفضل إلى التوسل بالمفضول أن التوسل المشروع بالأفضل لم يكن ممكناً).
ويقول الشيخ محمود شكري الآلوسي رادًا على المتصوفة الذين يستدلون بتوسل عمر بالعباس على جواز التوسل بالذوات مبينًا أن هذا الحديث دليل على عدم جواز التوسل بالذوات، وأن التوسل المشروع هو التوسل بطلب الدعاء من الرجل الصالح إن وجد، قال:(بل هو أقوى الأدلة وأرجحها وأعلاها وأوثقها وأصحها وأصدقها لما ندعيه، فإن قول عمر: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا ... إلخ) يدل دلالة ظاهرة على انقطاع ذلك الذي هو الدعاء، بدليل قوله:(إنا كنا)، ولما كان العباس حيًا فطلبوه منه فلما مات فات، فقصرهم له على الموجودين ولو كانوا مفضولين دليل ساطع وبرهان لامع على هذا