ويجاب عن هذه الشبهة: بأن الإله في هذه الآية ليس المراد منه هو الرب الخالق الصانع؛ لأن هذه الآية سيقت للرد على المشركين الذين لم يعتقدوا صانعين أو أكثر للعالم؛ بل اتخذوا آلهة يعبدونها من دون الله؛ ولم يعتقدوا فيها أنها خالقة؛ أرباب، صانعة، بل اعتقدوا فيها أنها عباد مقربون عند الله ويشفعون لهم عند الله، إذن حمل الآية على برهان التمانع (التفسير المذكور) صار باطلاً أيضاً، فإنه سبحانه أخبر: أنه لو كان فيهما آلهة غيره؛ ولم يقل:(أرباب).
وأيضاً فإن هذا إنما هو بعد وجودهما، وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواه لفسدتا، وأيضاً فإنه قال:(لفسدتا)، وهذا فساد بعد الوجود، ولم يقل: لم توجدا. فالمراد من الفساد ليس التخريب والهدم الظاهر؛ لأنه لو كان الأمر هكذا لقال الله تعالى:(لم تخلقا) ولم يقل: (لفسدتا) لأن برهان التمانع يقتضي ألاّ توجد السموات والأرض إن فرض وجود صانعين فأكثر لا أن تفسدا بعد خلقهما، وإنما المراد من الفساد في الآية: الفساد بمعنى الظلم والعدوان؛ لأن التوحيد أعدل العدل، والشرك أظلم الظلم.
وأما المراد من الفساد المنفي في هذه الآية فهو الفساد الناشئ عن عبادة غير الله تعالى وفساد نظام صلاح الحق، قال شيخ الإسلام:(فالمقصود هنا: أن في هذه الآية بيان امتناع الألوهية من جهة الفساد الناشئ من عبادة ما سوى الله تعالى؛ لأنه لا صلاح للخلق إلا بالمعبود المراد لذاته ... فلو كان فيهما معبود غيره لفسدتا من هذه الجهة).