للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكمة من قلبه على لسانه، قال: فأخلصت أربعين يومًا فلم يتفجر شيء فذكرت ذلك بعض العارفين، فقال لي: إنك إنما أخلصت للحكمة، ولم تخلص لله تعالى ... ).

ثم قال ابن تيمية: (وذلك لأن الإنسان قد يكون مقصوده نيل العلم والحكمة، أو نيل المكاشفات والتأثيرات، أو نيل تعظيم الناس له ومدحهم إياه، أو غير ذلك من المطالب، وقد عرف أن ذلك يحصل بالإخلاص لله وإرادة وجهه، فإذا قصد أن يطالب ذلك بالإخلاص لله وإرادة وجهه كان متناقضًا، لأن من أراد شيئًا لغيره فالثاني هو المراد المقصود بذاته، والأول: يراد لكونه وسيلة إليه، فإذا قصد أن يخلص لله ليصير عالماً أو عارفاً أو ذا حكمة، أو صاحب مكاشفات وتصرفات ونحو ذلك، فهو هنا لم يرد الله، بل جعل الله وسيلة له إلى ذلك المطلوب الأدنى ... ).

ولذا يقول الشاطبي ـ رحمه الله ـ: (إن الفاعل للسبب عالمًا بأن المسبب ليس إليه، إذا وكله إلى فاعله وصرف نظره عنه كان أقرب إلى الإخلاص، فالمكلف إذا لبى الأمر والنهي في السبب من غير نظر إلى ما سوى الأمر والنهي، خارج عن حظوظه، قائم بحقوق ربه، واقف موقف العبودية، بخلاف ما إذا التفت إلى المسبب ورعاه، فإنه عند الالتفات إليه متوجه شطره، فصار توجهه إلى ربه بالسبب، بواسطة التوجه إلى المسبب، ولا شك في تفاوت ما بين الرتبتين في الإخلاص).

ولما ذكر الشاطبي حكاية: (من أخلص لله أربعين يومًا ... ) قال ـ رحمه الله ـ: (هذا واقع كثيرًا في ملاحظة المسببات [النتائج والعواقب] في الأسباب،

<<  <  ج: ص:  >  >>