وهذا التطهير والتهذيب لا يحصل إلا باستمداد من جهة الروحانيات، وذلك بالتضرع والابتهال بالدعوات، من الصلوات والزكوات، وذبح القرابين، والبخورات والعزائم، فحينئذ يحصل لنفوسنا استعداد من غير واسطة الرسل، بل نأخذ من المعدن الذي أخذت منه الرسل، فيكون حكمنا وحكمهم واحدًا، ونحن وإياهم بمنزلة واحدة.
قالوا: والأنبياء أمثالنا في النوع وشركاؤنا في المادة، وأشكالنا في الصورة، يأكلون مما نأكل ويشربون مما نشرب، وما هم إلا بشر مثلنا يريدون أن يتفضلوا علينا.
والمقصود: أن هؤلاء كفروا بالأصلين اللذين جاءت بهما جميع الرسل والأنبياء، من أولهم إلى آخرهم؛ أحدهما: عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يعبد من دونه من إله.
الثاني: الإيمان برسله، وما جاؤوا به من عند الله، تصديقًا وإقرارًا وانقيادًا وامتثالاً. وليس هذا مختصًا بمشركي الصابئة ـ كما غلط فيه كثير من أرباب المقالات ـ بل هذا مذهب المشركين من سائر الأمم، لكن شرك الصابئة كان من جهة الكواكب والعلويات ... .
وهم قوم إبراهيم عليه السلام، الذين ناظرهم في بطلان الشرك، وكسر حجتهم بعلمه، وآلهتهم بيده، فطلبوا تحريفه. وهو مذهب قديم في العالم وأهله طوائف شتى، فمنهم عباد الشمس، زعموا أنها ملك من الملائكة، لها نفس وعقل، وهي أصل نور القمر والكواكب، وتكون الموجودات السفلية كلها عندهم منها، وهي عندهم ملك الفلك فيستحق التعظيم والسجود