للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معه السجن، وطلبهما منه أن يعبر لهما عن رؤياهما، وتحدثه إليهما بما أنعم الله به عليه من علم تعبير الرؤيا، وهجر الملل الباطلة، والتمسك بدين الله آبائه وأجداده في التوحيد والإيمان، ووعظه لهم بأن يسلكا سبيله في ذلك تاركين عبادة هذه الأرباب المتفرقة التي لا حقيقة لها، وإنما هي أسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان.

هذا ما حدث في حياة يؤسف عليه السلام، ولكن إذا كان مما لا شك فيه أنه كان نبياً ورسولاً فينبغي ألا يُشك أيضًا في أن مجال رسالته كان في مصر؛ فإنه لم يُعرف فيما نقل إلينا من أخباره أنه خرج منها، بل الثابت أنه ظل بها إلى أن مات ودفن بها.

ولقد جاءت آية صريحة من سورة غافر تدل على أن رسالته كانت في أهل مصر، وهي قوله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون يخاطب قومه ويحضهم على الإيمان بموسى عليه السلام: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ).

ولكن متى أرسل يوسف عليه السلام؟ ليس هناك في الواقع نص يحدد لنا بدء إرساله، والذي يُرجَّح أن يكون يوسف عليه السلام قد أُرسل في الفترة التي قضاها في السجن؛ لأن كلامه مع صاحبي السجن اللذين دخلا معه؛ من تعبيره لرؤيا كل منهما، ودعوته إياهما إلى التوحيد، وقوله لهما: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ)، يكاد يكون صريحًا في الدلالة على

<<  <  ج: ص:  >  >>