وأما النصارى القائلين بالتثليث، فإنهم لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض، بل هم متفقون على أن صانع العالم واحد، ويقولون: باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد، وقولهم في التثليث متناقض في نفسه، وقولهم في الحلول أفسد منه، ولهذا كانوا مضطريين في فهمه وفي التعبير عنه، لا يكاد واحد يعبر عنه بمعنى معقول، ولا يكاد اثنان يتفقان على معنى واحد؛ فإنهم يقولون: هو واحد بالذات، ثلاثة بالأقنوم! .
والأقانيم يفسرونها تارة بالخواص، وتارة بالصفات، وتارة بالأشخاص، وقد فطر الله العباد على إدراك فساد هذه الأقوال بعد التصور التام، وفي الجملة فهم لا يقولون بإثبات خالقين متماثلين. والمقصود هنا: أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين في الصفات والأفعال.
ولما كان الشرك في الربوبية معلوم الامتناع عند الناس كلهم باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال، وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن ثمَّ خالقًا خلق العالم، كما يقوله الثنوية في الظلمة، وكما يقوله القدرية في أفعال الحيوان، وكما يقوله الفلاسفة الدهرية في حركة الأفلاك، أو حركات النفوس، أو الأجسام الطبيعية، فإن هؤلاء يثبتون أمورًا محدثة بدون