إحداث الله إياها، فهم مشركون في بعض الربوبية، وكثير من مشركي الأمم قد يظن في آلهته شيئًا من نفع أو ضر، بدون أن يخلق الله ذلك.
فلما كان هذا النوع من الشرك في الربوبية موجودًا بين الناس ـ حتى في مشركي العرب كما سيأتي بيانه فيما بعد ـ بيَّن القرآن بطلانه، كما في قوله تعالى:(مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
قال ابن القيم: (فتأمل هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز البين؛ فإن الإله الحق لابد أن يكون خالقًا فاعلاً، يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر، فلو كان معه سبحانه إله لكان له خلق وفعل، وحينئذ فلا يرضى شركة الإله الآخر معه، بل إن قدر على قهره وتفرده بالإلهية دون فعل، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب به كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بمماليكهم إذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر والعلو عليه، فلابد من أحد أمور ثلاثة: إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه، وإما أن يعلو بعضهم على بعض، وإما أن يكونوا كلهم تحت قهر إله واحد يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه، ويمتنع من حكمهم ولا يمتنعون من حكمه؛ فيكون وحده هو الإله وهم العبيد المربوبون المقهورون. وانتظام أمر العالم العلوي والسفلي وارتباط بعضه ببعض، وجريانه على نظام محكم لا يختلف ولا يفسد من أدل دليل على أن مدبره واحد، لا إله غيره، كما دل دليل التمانع على أن خالقه واحد لا رب غيره، فذاك تمانع في الفعل والإيجاد، وهذا تمانع في الغاية والألوهية، فكما