قال الشافعي ـ رضي الله عنه ـ أما الإطلاق بأن كل ما يسمى سحرًا كفر، فصعب جدًا).
وصدق ـ رحمه الله ـ؛ فالحكم على الشيء فرع من تصوره، فلابد للناظر في هذه المسألة أن يفصل ويميز ويفرق بين السحر الذي يعد كفرًا، وما ليس كذلك، ولعل هذا هو السبب الذي قال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ لأجله (كما قال الشافعي قبله): (إن السحر في الاصطلاح لا يمكن حده بحد جامع مانع؛ لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته).
فالتحقيق في هذه المسألة هو التفصيل، فإن كان السحر مما يعظم فيه غير الله كالكواكب والجن وغير ذلك مما يؤدي إلى الكفر، فهو كفر بلا نزاع، ومن هذا النوع سحر هاروت وماروت المذكور في سورة البقرة، فإنه كفر بلا نزاع، كما دل عليه قوله تعالى:(وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)، وقوله تعالى:(إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ)، وقوله تعالى:(وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)، وقوله تعالى:(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا).
وإن كان السحر لا يقتضي الكفر كالاستعانة بخواص بعض الأشياء من دهانات وغيرها، فهو حرام حرمة شديدة، ولكنه لا يبلغ بصاحبه الكفر.