للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحكم الدقيق التي تعجز عقول العقلاء عن معرفتها وعن القدرة عليها ممّن لا فعل له ولا قدرة ولا شعور؟ وهل التصديق بمثل هذا إلاّ دخول في سلك المجانبين والمبرسمين.

ثم قل لها بعد: ولو ثبت لك ما ادعيت فمعلوم أنّ مثل هذه الصفة ليست بخالقة نفسها ولا مبدعة لذاتها، فمن ربها ومُبدعها وخالقها؟ ومن طبعها وجلبها تفعل ذلك؟ فهي إذن من أدل الدليل على بارئها وفاطرها وكمال قدرته وعلمه وحكمته، فلم يُجْدِئْكَ تعطيلك ربّ العالم جحدك لصفاته وأفعاله إلاّ مخالفتك العقل والفطرة.

ولو حاكمناك إلى الطبيعة لأريناك أنك خارج عن موجبها، فلا أنت مع موجب العقل، ولا الفطرة، ولا الطبيعة، ولا الإنسانية أصلاً، وكفى بذلك جهلاً وضلالاً، فإن رجعت إلى العقل وقلت: لا يوجد حكمة إلا من حكيم قادر عليم، ولا تدبير متقن إلاّ من صانع قادر مدبّر عليم بما يريد قادر عليه، لا يُعجزه ولا يصعب عليه ولا يؤوده.

قيل لك: فإذن أقررت ـ ويحك ـ بالخلاق العظيم الذي لا إله غيره ولا ربّ سواه، فدَع تسميته طبيعة أو عقلاً فعالاً أو موجباً بذاته، وقل: هذا هو الله الخالق البارئ المصوّر ربّ العالمين، وقيوم السموات والأرضين، وربّ المشارق والمغارب، الذي أحسن كل شيء خَلَقَه، وأتقن ما صنع، فما لك جحدت أسماءه وصفاته ـ بل وذاته ـ وأضفت صُنعه إلى غيره وخلقَه إلى سواه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>