للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتربة الخصة، التي نبتت فيها شجرة العلمانية وترعرعت، وقد كانت فرنسا بعد ثورتها المشهور هي أول دولة تقيم نظامها على أساس الفكر العلماني، ولم يكن هذا الذي حدث من ظهور الفكر العلماني والتقيد به ـ بما يتضمنه من إلحاد، وإبعاد للدين عن كافة مجالات الحياة، بالإضافة إلى بغض الدين ومعاداته، ومعاداة أهله ـ أقول: لم يكن هذا حدثًا غريبًا في بابه؛ ذلك لأن الدين عندهم حينئذ لم يكن بمثل وحي الله الخالص الذي أوحاه إلى عبده ورسوله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وإنما تدخلت فيه أيدي التحريف والتزييف، فبدلت وغيرت، وأضافت وحذفت، فكان من نتيجة ذلك أن تعارض الدين المبدل مع مصالح الناس في دنياهم، ومعاملاتهم، في الوقت نفسه الذي تعارض مع حقائق العلم الثابتة، ولم تكتف الكنيسة ـ الممثلة للدين عندهم ـ بما عملته أيدي قسيسيها ورهبانها من التحريف والتبديل، حتى جعلت ذلك دينًا يجب الالتزام والتقيد به، وحاكمت إليه العلماء المكتشفين والمخترعين، وعاقبتهم على اكتشافاتهم العلمية المناقضة للدين المبدل، فاتهمتهم بالزندقة والإلحاد، فقتلت من قتلت، وحرقت من حرقت، وسجنت من سجنت.

ومن جانب آخر فإن الكنيسة ـ الممثلة للدين عند النصارى ـ أقامت تحالفاً غير شريف مع الحكام الظالمين، وأسبغت عليهم هالات التقديس والعصمة، وسوغت لهم كل ما يأتون به من جرائم وفظائع في حق شعوبهم، زاعمة أن هو الدين الذي ينبغي على الجميع الرضوخ له والرضا به.

من هنا بدأ الناس هناك يبحثون عن مهرب بهم من سجن الكنيسة ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>