واتجه العالم الغربي إلى نزعات غير قومية، ضمن الاتجاه العلماني اللاديني، فمنها ما اتجه شطر الالتقاء على المصالح المشتركة الاقتصادية أو السياسية أو الدفاعية، ومنها ما كان لقاءً على وحدة فكرية عالمية، غير ذات حدود إقليمية أو وطنية أو قومية. ولم يكن باستطاعتهم أن يجتمعوا على دين؛ لأنهم قد أسقطوا الدين من عقائدهم ومن روابطهم السياسية، ومعظم روابطهم الاجتماعية، وبقايا الدين فيهم أمست شخصية.
ولما أذنت شمس القومية تتجه إلى الغروب في أوروبا والعالم الغربي كله، بدأت تظهر في بعض شعوب العالم الإسلامي، بمكايد مدبرة، من أبرزها:
القومية العربية، والقومية الطورانية، والقومية الكردية، والقومية الفارسية، وغيرها، بل أغلب شعوب العالم الإسلامي في العصر الحالي اتجهت إلى هذه الدعوة الخبيثة الهدامة، وغيرت حدود أوطان على الخارطة السياسية.
فالقومية التي سبق إيرادها ليست بمعنى الرابطة التي يرتبط فيها الإنسان بقومه ووطنه، فتلك من فطر البشرية المركوزة في جبلة الإنسان، وليست بمعنى محبة الإنسان لوطنه وأمته وسعيه في سبيل تقدمها وازدهارها والعمل على أن تكون كرامتها مصونة وحصونها محمية. وإنما القومية المقصودة هنا: هي التي فرغها دعاتها من كل معنى إسلامي وأطلقوها قومية علمانية، والتي عزلت القوم عن الإسلام واستبدلت بعقيدته ورابطته عقيدة وروابط أخرى هي التي غالى فيها دعاتها ورفعوها إلى مقام الربوبية أحيانًا وإلى مقام التقديس والعبادة في حين آخر، وضمنوها محتوي فكريًا بعيدًا عن دين هذه الأمة، مقطوع الصلة عن أعظم نبي عرفه التاريخ.