للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أترون هذه رحيمة بولدها؟ قالوا: يا رسول الله كفى بهذه رحمة، فقال: والذي نفسي بيده إن الله أرحم بالمؤمنين من هذه بولدها» ولقد سلك هارون في موعظته أحسن الوجوه؛ لأنه زجرهم عن الباطل أولاً بقوله: إنما فتنتم به، ثم دعاهم إلى معرفة الله ثانياً بقوله: وإن ربكم الرحمن، ثم دعاهم ثالثاً إلى النبوة بقوله: فاتبعوني، ثم دعاهم رابعاً بقوله: وأطيعوا أمري، وهذا هو الترتيب الجيد؛ لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطة الأذى عن الطريق، وهو إزالة الشبهات، ثم معرفة

الله تعالى، فإنها هي الأصل، ثم النبوة، ثم الشريعة، فثبت أن هذا الترتيب أحسن الوجوه؛ لأنه زجرهم عن الباطل أولاً، ولما ذكر الله تعالى ما قال هارون تشوقت النفس إلى علم ما قال موسى فقيل:

{قال يا هارون} أنت نبي الله، وأخي ووزيري وخليفتي، فأنت أولى الناس بأن ألومه، وأحقهم بأن أعاتبه {ما منعك إذ} أي: حين {رأيتهم ضلوا} عن طريق الهدى واتبعوا سبيل الردى

{أن لا تتبعني} في سيرتي من الأخذ على يد الظالم طوعاً أو كرهاً.

تنبيه: لا مزيدة للتأكيد؛ لأن النافي إذا زيد في كلام كان نافياً لضد مضمونه فيفيد إثباتاً للمضمون ونفياً لضده، فيكون ذلك في غاية التأكيد، وأثبت الياء بعد النون ابن كثير وقفاً ووصلاً، وأثبتها نافع، وأبو عمرو وصلاً لا وقفاً، وحذفها الباقون وصلاً ووقفاً {أفعصيت} أي: فتكبرت عن اتباعي، فتسبب عن ذلك أنك عصيت {أمري} وأخذ بلحيته وبرأسه يجره إليه غضباً لله تعالى، فكأنه قيل: ما قال له؟ فقال:

{قال} مجيباً له مستعطفاً بذكر أول وطن ضمهما بعد نفخ الروح مع ما له من الرقة والشفقة {يا ابن أمّ} فذكره بها خاصة وإن كان شقيقه؛ لأنها يسوءها ما يسوءه، وهي أرق من الأب، وقرأ نافع وابن كثير، وأبو عمرو وحفص بفتح الميم، وكسرها ابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي {لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي} أي: بشعرهما. ثم علل ذلك بقوله: {إني خشيت أن تقول} إذا شددت عليهم حتى يصل الأمر إلى القتال {فرقت بين بني إسرائيل} يفعلك هذا الذي لم يجسد شيئاً لقلة من كان معك وضعفك عن ردهم {ولم ترقب قولي} {اخلفني في قومي، وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} (الأعراف، ١٤٢) ، ولم تقل: وارددهم، ولو أدى الأمر إلى السيف، ولما فرغ من نصيحة أقرب الناس إليه، وأحقهم بنصيحته وحفظه على الهدى إذ كان رأس الهداة تشوف السامع إلى ما كان من غيره، فاستأنف تعالى ذكره بقوله:

{قال} أي موسى عليه السلام لرأس أهل الضلال معرضاً عن أخيه بعد قبول عذره جاعلاً ما نسب إليه سبباً لسؤاله عن الحامل له عليه {فما خطبك} ؟ أي: أمرك هذا العجب العظيم الذي حملك على ما صنعت، وأخبرني ربي أنك أضللتهم به {يا سامري}

{قال} السامري: مجيباً له {بصرت} من البصر والبصيرة {بما لم يبصروا به} أي: رأيت ما لم ير بنو إسرائيل، وعرفت ما لم يعرفوا، وقال ابن عباس: علمت ما لم يعلموا، ومنه قولهم: رجل بصير، أي: عالم قاله أبو عبيدة وأراد أنه رأى جبريل عليه السلام، فأخذ من موضع حافر دابته قبضة من تراب كما قال: {فقبضت} أي: فكان ذلك سبباً؛ لأن قبضت {قبضة} أي: مرة من القبض أطلقها على المقبوض تشبيهاً للمفعول بالمصدر {من أثر} فرس ذلك {الرسول} أي: المعهود {فنبذتها} أي: في الحلي الملقى في النار، أو في العجل {وكذلك} أي: وكما سولت لي نفسي أخذ أثره {سوَّلت} أي: حسنت وزينت {لي نفسي} نبذها في

<<  <  ج: ص:  >  >>