أي: نعمة من خصب وكثرة مطر وغنى ونحوه لا سبب لها إلا رحمتنا {فرحوا بها} أي: فرح بطر مطمئنين من زوالها ناسين شكر من أنعم بها، ولا ينبغي أن يكون العبد كذلك. فإن قيل: الفرح بالرحمة مأمور به قال تعالى: {بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}(يونس، ٥٨) وههنا ذمّهم على الفرح بالرحمة؟ أجيب: بأنه هناك فرحوا برحمة الله من حيث أنها مضافة إلى الله وههنا فرحوا بنفس الرحمة حتى لو كان المطر من غير الله لكان فرحهم به مثل فرحهم إذا كان من الله تعالى {وإن تصبهم سيئة} أي: شدّة من جدب وقلة مطر وفقر ونحوه {بما قدّمت أيديهم} من السيئات {إذا هم يقنطون} أي: ييأسون من رحمة الله وهذا خلاف وصف المؤمنين فإنهم يشكرونه عند النعمة ويرجونه عند الشدّة، وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر النون بعد القاف، والباقون بالفتح.
{أو لم يروا} أي: يعلموا {أن الله يبسط الرزق} أي: يوسعه {لمن يشاء} امتحاناً {ويقدر} أي: يضيق لمن يشاء ابتلاء، وهذا شأنه دائماً مع الشخص الواحد في أوقات متعاقبة متباعدة ومتقاربة ومع الأشخاص ولو في الوقت الواحد، فلو اعتبروا حال قبضه سبحانه لم يبطروا، ولو اعتبروا حال بسطه لم يقنطوا بل كان حالهم الصبر في البلاء، والشكر في الرخاء، والإقلاع عن السيئة التي نزل بسببها القضاء، ولما لم تغن عن أحد منهم في استجلاب الرزق قوّته وغزارة عقله ودقة مكره وكثرة حيله، ولا ضرّه ضعفه وقلة عقله وعجز حيلته وكان ذلك أمراً عظيماً ومنزعاً مع شدّة ظهوره وجلالته خفياً دقيقاً قال بعضهم:
أشار سبحانه إلى عظمته بقوله مؤكداً لأنّ عملهم في شدّة اهتمامهم بالسعي في الدنيا عمل مَنْ يظنّ أنّ تحصيله إنما هو على قدر الاجتهاد في الأسباب {إن في ذلك} أي: الأمر العظيم من الإقتار في وقت والإغناء في آخر والتوسيع على شخص والتقتير على آخر، والأمن من زوال الحاضر من النعم مع تكرّر المشاهد للزوال في النفس والغير واليأس من حصولها عند المحنة مع كثرة وجدان الفرج وغير ذلك من أسرار آلائه {لآيات} أي: دلالات واضحات على الوحدانية لله تعالى وتمام العلم وكمال القدرة وأنه لا فاعل في الحقيقة إلا هو لكن {لقوم} أي: ذوي همم وكفاية القيام بما يحق لهم أن يقوموا به {يؤمنون} أي: يوجدون هذا الوصف ويديمون تجديده كل وقت لما يتواصل عندهم من قيام الأدلة بإدامة التأمّل والإمعان والتفكر والاعتماد في الرزق على من قال {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}(القمر: ١٧)
أي: من طالب علم فيعان عليه، فلا يفرحون بالنعم إذا حصلت خوفاً من زوالها إذا أراد القادر ذلك، ولا يغتمون بها إذا زالت رجاء في إقبالها فضلاً من الرازق؛ لأنّ أفضل العبادة انتظار الفرج بل همهم بما عليهم من وظائف العبادة واجبها ومندوبها، ومعرضون عما سوى ذلك قد وكلوا أمر الرزق إلى من تولى أمره وفرغ من قسمه وقام بضمانه وهو القدير العليم، ولما أفهم ذلك عدم الاكتراث بالدنيا لأنّ الاكتراث بها لا يزيدها، والتهاون بها لا ينقصها قال تعالى مخاطباً لأعظم المتأهلين لتنفيذ أوامره:
{فآت} يا خير الخلق {ذا القربى} أي: القرابة {حقه} أي: من البرّ والصلة؛