للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فساد أقوالهم بين لهم ضلال أمثالهم وأشكالهم الذين كانت أفعالهم كأفعالهم بقوله تعالى: لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم

{قل} أي: لهؤلاء الذين لا همّ لهم سوى الدنيا {سيروا في الأرض} فإنّ سيركم الماضي لكونه لم تصحبه عبرة عدمٌ {فانظروا} نظرَ اعتبار {كيف كان عاقبة الذين من قبل} أي: من قبل أيامكم لتروا منازلهم ومساكنهم خالية فتعلموا أنّ الله تعالى أذاقهم وبال أمرهم وأوقعهم في حفائر مكرهم {كان أكثرهم مشركين} أي: فلذلك أهلكناهم ولم تغن عنهم كثرتهم وأنجينا المؤمنين وما ضرّتهم قلتهم، ولما نهى الله تعالى الكفار عما هم عليه أمر المؤمنين بما هم عليه وخاطب النبيّ صلى الله عليه وسلم ليعلم المؤمن فضيلة ما هو مكلف به فإنه أمر به أشرف الأنبياء بقوله تعالى:

{فأقم وجهك للدين القيم} أي: المستقيم وهو دين الإسلام {من قبل أن يأتي يوم} أي: عظيم {لا مردّ له} أي: لا يقدر أن يرده أحد. وقوله تعالى {من الله} يجوز أن يتعلق بيأتي أو بمحذوف يدل عليه المصدر أي: لا يردّه من الله أحد. والمراد به يوم القيامة لا يقدر أحد على رده من الله، وغيره عاجز عن رده فلا بد من وقوعه {يومئذ} أي: إذ يأتي {يصدّعون} أي: يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير، ثم أشار إلى التفرّق بقوله تعالى:

{من كفر} أي: منهم {فعليه كفره} أي: وبال كفره {ومن عمل صالحاً} أي: بالإيمان وما يترتب عليه {فلأنفسهم يمهدون} أي: يوطئون منازلهم في القبور وفي الجنة بل وفي الدنيا فإن الله تعالى يعزهم بعز طاعته.

تنبيه: أظهر قوله تعالى صالحاً ولم يضمر لئلا يتوهم عود الضمير على من كفر وبشارة بأنّ أهل الجنة كثير وإن كانوا قليلاً؛ لأنّ الله تعالى هو مولاهم فهو مزكيهم. وأفرد الشرط وجمع الجزاء في قوله تعالى {فلأنفسهم يمهدون} (الروم: ٤٤)

إشارة إلى أنّ الرحمة أعم من الغضب فتشمله وأهله وذريته، وفيه ترغيب في العمل من غير نظر إلى مساعد، وبأنه ينفع نفسه وغيره لأنّ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وأقل ما ينفع والديه وشيخه في ذلك العمل. وقوله تعالى:

{ليجزي} أي: الله سبحانه وتعالى الذي أنزل هذه السورة لبيان أنه ينصر أولياءه لإحسانه لأنه مع المحسنين، ولذلك اقتصر هنا على ذكرهم بقوله تعالى: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي: تصديقاً لإيمانهم {من فضله} علة ليمهدون أو ليصدعون، والاقتصار على جزاء الموصوفين للإشعار بأنه المقصود بالذات والاكتفاء عن فحوى قوله تعالى {إنه لا يحب الكافرين} فإن فيه إثبات البغض لهم فيعذبهم، والمحبة للمؤمنين فيثيبهم، وتأكيدُ اختصاص الصلاح المفهوم من ترك ضميرهم إلى التصريح بهم تعليل لهم، وقوله تعالى {من فضله} دال على أنّ الإثابة بمحض الفضل. ولما ذكر تعالى ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ذكر ظهور الصلاح ولم يذكر أنه بسبب العمل الصالح لأن الكريم لا يذكر لإحسانه عوضاً ويذكر لأضداده سبباً لئلا يتوهم به الظلم قال تعالى:

{ومن آياته} أي: دلالاته الواضحة {أن يرسل الرياح مبشرات} أي: بالمطر كما قال تعالى {بشراً بين يدي رحمته} أي: قبل المطر، وقيل: مبشرات بصلاح الأهوية والأحوال فإن الرياح لو لم تهب لظهر الوباء والفساد، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الريح بالإفراد على إرادة الجنس، والباقون بالجمع وهي الجنوب والشمال والصبا؛ لأنها رياح الرحمة، وأمّا الدبور فريح العذاب ومنه قوله صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>