للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحواله بقوله تعالى:

{الله} أي: الجامع لصفات الكمال {الذي خلقكم من ضعف} أي: ماء ذي ضعف لقوله تعالى {ألم نخلقكم من ماء مهين} {ثم جعل من بعد ضعف} آخر وهو ضعف الطفولية {قوة} أي: قوّة الشباب {ثم جعل من بعد قوّة ضعفاً} أي: ضعف الكبر {وشيبة} أي: شيب الهرم وهي بياض في الشعر يحصل أوّله في الغالب في السنة الثالثة والأربعين وهو أوّل سنّ الاكتهال، والأخذُ في النقص بالفعل بعد الخمسين إلى أن يزيد النقص في الثالثة والستين وهو أوّل سنّ الشيخوخة، ويقوى الضعف إلى ما شاء الله تعالى، وقرأ عاصم وحمزة بخلاف عن حفص بفتح الضاد في الثلاثة وهو لغة تميم، والباقون بالضم وهو لغة قريش، ولما كانت هذه هي العادة الغالبة وكان الناس متفاوتين فيها وكان من الناس من يطعن في السن وهو قويّ وأنتج ذلك كله لابدّ أن يكون التصرف بالاختيار مع شمول العلم وتمام القدرة قال تعالى {يخلق ما يشاء} أي: من هذا وغيره {وهو العليم} بتدبير خلقه {القدير} على ما يشاء.

فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى هنا {وهو العليم القدير} وقوله تعالى من قبل {وهو العزيز الحكيم} والعزة إشارة إلى كمال القدرة والحكمة إشارة إلى كمال العلم فقدم القدرة هناك على العلم؟ أجيب: بأنّ المذكور هناك الإعادة بقوله تعالى: {وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} (الروم: ٢٧)

لأنّ الإعادة بقوله تعالى: كن فيكون، فالقدرة هناك أظهر وههنا المذكور الإبداء وهو أطوار وأحوال والعلم بكل حال حاصل فالعلم ههنا أظهر. ثم إنّ قوله تعالى {وهو العليم القدير} فيه تبشير وإنذار؛ لأنه إذا كان عالماً بأحوال الخلق يكون عالماً بأحوال المخلوق فإن عملوا خيراً علمه، وإن عملوا شرّاً علمه، ثم إذا كان قادراً وعلم الخير أثاب وإذا علم الشرّ عاقب، ولما كان العلم بالأحوال قبل الإثابة والعقاب اللذين هما بالقدرة والعلم قدم العلم، وأمّا الآية الأخرى فالعلم بتلك الأحوال قبل العقاب فقال: {وهو العزيز الحكيم} ، ولما ثبتت قدرته تعالى على البعث وغيره عطف على قوله أول السورة {ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون} .

{ويوم تقوم الساعة} أي: القيامة سميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا، أو لأنها تقع بغتة، أو إعلاماً بتيسيرها على الله تعالى، وصارت علماً عليها بالغلبة كالكوكب للزهرة {يقسم} أي: يحلف {المجرمون} أي: الكافرون.l

وقوله تعالى {ما لبثوا} جواب قوله تعالى يقسم وهو على المعنى إذ لو حكي قولهم بعينه لقيل ما لبثنا أي: في الدنيا {غير ساعة} استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا في الآخرة، وقال مقاتل والكلبي: ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قال تعالى {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} (النازعات: ٤٦)

وكما قال تعالى {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} (الأحقاف: ٣٥)

وقيل: فيما بين فناء الدنيا والبعث. وفي حديث رواه الشيخان: «ما بين النفختين أربعون» وهو محتمل للساعات والأيام والأعوام {كذلك} أي: مثل ذلك الصرف عن حقائق الأمور إلى شكوكها {كانوا} في الدنيا كوناً هو كالجبلة لهم {يؤفكون} أي: يصرفون عن الحق في الدنيا، وقال مقاتل والكلبي: كذبوا في قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث، والمعنى: أنّ الله تعالى أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء تبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه، ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم بقوله تعالى:

{وقال الذين أوّتوا العلم والإيمان}

<<  <  ج: ص:  >  >>