للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إليهن حتى يقع بنفس الاختيار أو لا، ذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم: إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق، وإنما خيرهن على أنهن إذا اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى: {فتعالين أمتعكن وأسرحكن} ويدل عليه أنه لم يكن جوابهن على الفور فإنه قال لعائشة: لا تعجلي حتى تستشيري أبويك، وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور، وذهب آخرون: إلى أنه كان تفويض طلاق، ولو اخترن أنفسهن كان طلاقاً.

واختلف العلماء في حكم التخيير: فقال عمر وابن مسعود وابن عباس: إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء، ولو اختارت نفسها وقع طلقة واحدة، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي، إلا أن عند أصحاب الرأي: أنه يقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها.

وعند الآخرين: رجعية. وقال زيد بن ثابت: إذا اختارت الزوج تقع طلقة واحدة، وإن اختارت نفسها فثلاث وهو قول الحسن ورواية عن مالك، وروي عن علي: أنها إذا اختارت زوجها تقع طلقة واحدة رجعية، وإن اختارت نفسها فطلقة بائنة، وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء.

وعن مسروق قال: ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو ألفاً بعد أن تختارني. قال الرازي: وهنا مسائل:

منها هل كان هذا التخيير واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، والجواب: أن التخيير كان قولاً واجباً من غير شك لأنه إبلاغ لرسالة لأن الله تعالى لما قال له: قل لهن صار من الرسالة، وأما التخيير معنى فمبني على أن الأمر للوجوب أم لا، والظاهر أنه للوجوب.

ومنها: أن واحدة منهن لو اختارت نفسها وقلنا: إنها لا تبين إلا بإبانة النبي صلى الله عليه وسلم فهل كان يجب على النبي صلى الله عليه وسلم الطلاق أم لا، الظاهر نظر إلى منصب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجب لأن الخلف في الوعد من النبي صلى الله عليه وسلم غير جائز، بخلاف أحدنا فإنه لا يلزمه شرعاً الوفاء بما يعد.

ومنها: أن المختارة بعد البينونة هل كانت تحرم على غيره أم لا، الظاهر أنها لا تحرم وإلا لم يكن التخيير ممكناً لها من التمتع بزينة الدنيا.

ومنها: أن من اختارت الله ورسوله هل كان يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم طلاقها أم لا، الظاهر الحرمة نظراً إلى منصب الرسول صلى الله عليه وسلم على معنى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يباشره أصلاً، لا بمعنى أنه لو أتى به لعوقب أو عوتب انتهى.

ولما خيرهن واخترن الله ورسوله هددهن الله للتوقي عما يسوء النبي صلى الله عليه وسلم وأوعدهن بتضعيف العذاب بقوله:

{يا نساء النبي} أي: المختارات له لما بينه وبين الله تعالى مما يظهر شرفه {من يأت منكن بفاحشة} أي: سيئة من قول أو فعل كالنشوز وسوء الخلق واختيار الحياة الدنيا وزينتها على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، وقال ابن عباس: المراد هنا بالفاحشة: النشوز وسوء الخلق وقيل: هو كقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} (الزمر: ٦٠)

وقرأ ابن كثير وشعبة {مبينة} بفتح الياء التحتية أي: ظاهر فحشها، والباقون بكسرها أي: واضحة ظاهرة في نفسها {يضاعف لها العذاب} أي: بسبب ذلك {ضعفين} أي: ضعفي عذاب غيرهن أي: مثيله وإنما ضوعف عذابهن لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن وأقبح لأن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة، ولذلك كان ذم العقلاء للعاصي العالم

<<  <  ج: ص:  >  >>